اراء و مقالات

محور أبوظبي – عمان: هل تقام نسخة مطورة من مدينة «نيوم» السعودية؟

«الجيو سياسي – اللوجستي ينمو ويتمدد»

عمان – «القدس العربي» : لا يحتاج الأمر لكثير من الحيرة والغموض… العلاقات الأردنية – الإماراتية تتجه وبصورة نادرة، وأحياناً مباغتة، إلى أقصى المسافات الإستراتيجية عبر سلسلة شراكات تنجز بالقطعة والتقسيط، ويتم الإعلان عنها بين الحين والآخر بالتوازي مع النمو اللافت للنظر في طبيعة وتركيبة العلاقات والاتصالات الإماراتية الإسرائيلية.
يحاول سياسيون وإعلاميون أردنيون، بنشاط، تفكيك أسرار وألغاز حالة الاندفاع إلى أقصى مدى ممكن في مشاريع لها علاقة بالبنية التحتية هذه المرة بين عمان وأبوظبي.

«الجيو سياسي – اللوجستي ينمو ويتمدد»

وهو أمر طبعاً ترحب به غالبية الأوساط الاقتصادية وسط الأردنيين، وعلى أساس أن بوصلة التحالف هنا في اتجاهها الصحيح والمنتج؛ لأن الاقتصاد الأردني في حاجة إلى شراكات حقيقية ومنتجة، على حد تعبير الخبير الاقتصادي محمد رواشدة، ولأن الجانب الإماراتي الشقيق، على حد تعبير مسؤولين كبار، يلبي هذه الاحتياجات ويؤسس لقواعد عمل مشتركة يبدو أنها، الآن على الأقل، خالية من العناصر السياسية، لكنها -برأي كثيرين- مسيسة وبامتياز، وستؤدي إلى تغيرات أفقية بنيوية.
مبكراً، تلك العلاقات الاقتصادية المرتبطة بمشاريع استثمارية لها علاقة بملفات الطاقة والنقل البحري، واللوجستيات «تنمو وتتمدد» بنحو لافت تحت عنوان تحالف سياسي وأمني ولوجستي واقتصادي معلن ويخلو من الأسرار. وهنا قد لا تفيد القراءات البعيدة، فالمحتاج اقتصادياً هو الذي يلبي قيود الآخرين، وأحياناً شروطهم.
والمسألة دوماً وأبداً، بحكم التغيير الكبير الذي يجتاح المنطقة والإقليم والعالم وتقلبات المجتمع الدولي، في حاجة إلى مقاربة أعمق في بناء التحالفات، حتى برأي سياسي كبير وخبير من وزن رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، الذي أفاد بوضوح وخلال وقفة نقاشية مع «القدس العربي» بأن شبكة المصالح الأردنية العميقة مرتبطة الآن بالانتباه إلى صراع الأجندات، وبالتركيز على المصالح الأبعد والأعمق، مقترحاً أن المصالح النهائية والأساسية للشعب والدولة ينبغي أن يفهم الجميع أنها تكون بمأمن أكثر إذا ما ابتعدت عن التشبيك مع مصالح الإسرائيلي بصورة حصرية؛ فالمشروع الإسرائيلي وبعد التهام الأرض -برأي المصري- في فلسطين المحتلة، بدأ يخطط لتفريغ السكان، وهذه البنية الاقتصادية الممتدة هنا وهناك تدفع للارتياب، وعلى صانع القرار الانتباه جيداً.
ما الذي يدفع سياسياً من وزن المصري للقلق؟ وقبل المصري… ما الذي دفع نظيره عبد الكريم الكباريتي للتحدث عن مركب الوطن الأردني باعتباره وسط أمواج متلاحقة في الإقليم «هائم على وجهه».

جدال عنيف

الجدال عنيف في صالونات عمان حول دلالات مشاريع بنيوية كبيرة ترعاها أبوظبي، ويبدو أنها تجد لها موطئ قدم في عمان. ورغم أن بعض الأطراف تحذر من تحويل الجغرافيا الأردنية إلى صراع للنفوذ المالي والسياسي لدول شقيقة وثرية، كما يلمح المحلل الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة، إلا أن الجانب الأردني يؤكد دوماً بأن عمان لا تغرق في الأوهام، وبأن من يريد التأسيس لشراكات إستراتيجية مع الأردن سيجد كل الأبواب مشرعة أمامه، وهي صيغة سمعتها «القدس العربي» أيضاً في مكتب رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة.
عملياً، ارتبطت اتفاقية الماء مقابل الكهرباء بين الأردن وإسرائيل بالعباءة الإماراتية وسط نسب رقمية غامضة.
طبعاً، دفعت هذه المفارقات الرقمية، مبكراً، الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي المعارضة الشيخ مراد عضايلة، لطرح سؤالين: لماذا لا يضمن الشقيق الإماراتي، ما دام يريد دعم بلادنا، تمويل محطات لتحلية المياه في خليج العقبة؟ وكيف يراد منا أن نؤمن بأن الجانب الإسرائيلي يسلمنا قابس الكهرباء ويحتاجنا؟
الأسئلة تتزاحم في عمان، ومباشرة بعد الجدل الذي أثارته اتفاقية الكهرباء مقابل الماء في المستوى السياسي. وحتى على مستوى التجاذب الشعبوي في الأردن، تم الإعلان عن اتفاقيات تطوير ميناء العقبة ما بين مؤسسة موانئ أبوظبي والطرف الآخر كان سلطة إقليم العقبة الأردنية، حيث 5 اتفاقيات استراتيجية كبيرة تعني بالمقام الأول بأن من يملك المال يستحوذ على التفاصيل في ميناء الأردن الوحيد.
مؤسسات المقاولات والإعمار الإماراتية الضخمة موجودة وبقوة، والانطباع تشكلَ مبكراً بأن المشاريع توقع وتنجز دون وجود الجار الأكبر للإمارات والأردن، وهو الجار السعودي. وغياب الجانب السعودي عن مشاريع لها علاقة بالجغرافيا السياسية من هذا النوع ينتج عشرات الأسئلة في الواقع الموضوعي الأردني، خصوصا أن على الطاولة الآن وبسرعة مشروع إقليمي ضخم ثالث له علاقة بسكة الحديد، ويتردد بأن الجانب الإماراتي قدم معطيات تنافس الاستثمار السعودي في هذا السياق.
هذا النشاط على جبهة الشراكة والاستثمار الإماراتي في الأردن، يسانده بقوة فريق من المسؤولين الأردنيين، يضع الكثير من البيضات الاقتصادية في سلة أبوظبي. والأردن يحتاج. وكل الذين يحذرون من انعكاس العلاقات الإماراتية الإسرائيلية على المصالح الأردنية في الواقع لا يقدمون بدائل أمام الحكومة الأردنية عن الاستثمار والدعم والشراكة.
ما الذي يمكن أن تفعله عمان إزاء الاحتياج الاقتصادي الملح مادامت بعض العروض تقدم من دولة شقيقة، حتى وإن ظهر الأمر على شكل «اجتياح» للمشاريع؟
هذا السؤال أيضاً مطروح بين السياسيين وبقوة، لكن المخاوف مبكرة حتى في قياسات السبايلة من أن تستمر بعض النوادي بالتعامل مع الأردن باعتباره، جغرافياً، لوجستية سياسية ملحقة بالقرار المتعلق بالسلام الخليجي الإسرائيلي، فهنا قد تحصل المشكلة الكبرى، وهنا سبب كبير للقلق الذي يظهره سياسيان من وزن طاهر المصري ونظيره الكباريتي.

إسرائيل لاعب أساسي

في كل حال، وبالحد الأدنى من الضجيج، تمضي هذه الاتفاقيات، حيث سيلتحق لاعب وطرف أساسي فيها هو إسرائيل، ببعض التفاصيل لاحقاً، فسكة الحديد يفترض أن تبدأ من سواحل فلسطين المحتلة، وتمر في الأغوار، ثم إلى العراق والخليج العربي، حتى البصرة، من أريحا ومشروع المياه في صحراء الأردن، وعبر صحراء النقب. ومناولات الاتفاقيات الخاصة بمؤسسة أبوظبي للموانئ في العقبة تعني الكثير بجوار مشروع «نيوم» السعودي.
الانطباع مبكر، لكن لا تسانده كثير من القرائن والأدلة حول وجود آلية مقترحة لمنافسة نيوم سعودي بنسخة إماراتية أردنية، ولاحقاً بصورة مرجحة إسرائيلية مصرية من مشاريع كبيرة تستنتج روح وفكرة نيوم وبجوارها.
العقبة الأردنية وسط السيناريو الآن، ومصر تتحفز للاستثمار والتقاط ما تيسر من أرزاق عبر قناة السويس، وإسرائيل وكيل أساسي ولاعب خفي على مستوى الملاحة البحرية في مياه البحر الأحمر، وحيث الاعتبارات الجيوسياسية والجغرافية والاقتصادية والمالية كالمطر الآن تلطم رأس الاقتصاد الأردني وسط غابة من التساؤلات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى