مسار «موازٍ» لصفقة القرن… نجاح الضغوط الأمريكية في دفع الأردن للتنازل لـ «المنامة»
تلويح بـ «الحصة» من الاستثمارات التي ستضيع في غيابه وعمان في اتجاه «السلام الاقتصادي»
صعب جداً بناء أي استنتاج حول الظروف التي دفعت الأردن لتغيير موقفه من مؤتمر المنامة بعدما أعلنت محطة «سي ان ان» الأمريكية، الشهر الماضي، بأن الملك عبد الله الثاني أبلغ مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر بعدم وجود ما يلزم بلاده بحضور ورشة العمل البحرينية المثيرة للجدل.
وسياسياً، يمكن القول إن الإعلان الأمريكي الرسمي الصادر مساء الثلاثاء بعنوان موافقة الأردن ومصر والمغرب والأردن على حضور المؤتمر المشار إليه أيضاً بمثابة إعلان موارب عن نجاح الضغط الأمريكي في دفع عمان تحديداً لتغيير موقفها والحضور، خصوصاً وأن الملك الأردني استبق حديثه أمس الأول عن صعوبة البقاء خارج الغرفة في مؤتمرات دولية تناقش القضية الفلسطينية بحديث غير رسمي لم يخصص للنشر، كما قال الإعلامي جميل النمري عن «ضغوط خارجية» تعرضت لها المملكة.
الأهم في الواقع أن الأردن لا يغير بموقفه الثابت والمعلن، لكنه يبدل في تكتيك المواجهة مع ضغوط يعرف الجميع أنها بدأت تعبث بالعديد من الاعتبارات، خصوصاً وأنها ليست أمريكية أو إسرائيلية فقط.
بدا لافتاً هنا، وفي السياق ذاته، بأن مقر رئاسة الوزراء في عمان العاصمة انشغل خلال اليومين الماضيين بتحديد شكل وهوية وملامح المشاركة الأردنية في المنامة.
استناداً إلى المفكر السياسي الخبير في الإسرائيليات، عدنان أبو عودة، فإن صفقة القرن في أصلها تأصيل لفكرة السلام الاقتصادي ولا تنطوي على أي حلول أو مقاربات أو معالجات ذات قيمة ولها علاقة بأسس الصراع.
ذلك يعني ضمنياً بأن الإدارة الأمريكية، وفي حال مشاركة عمان بلقاء المنامة الذي تغيب عنه بل تعارضه بشدة السلطة الفلسطينية، نجحت عملياً في «جر الأردن» إلى أولى خطوات السلام الاقتصادي، وعبر التلويح بأن عمان ينبغي أن تحضر ورشة العمل المقامة في البحرين حتى تتحدث عن «حصتها» في السلام الاقتصادي. ويعني بأن المملكة مضطرة للتواجد في غرفة مضمونها وفكرتها، كما شرح أبو عودة عدة مرات لـ «القدس العربي» مباشرة، التعامل مع نتائج الاحتلال الإسرائيلي وتداعياته على الشعب الفلسطيني وليس مع الاحتلال نفسه وما يفرضه من وقائع.
تلك نقطة تحول دراماتيكية من الصعب القول بأن عمان كان ينبغي أن تواجهها منفردة في ظل ظرفها الاقتصادي الحالي ومستوى الضغط الخارجي، والأهم في ظل حضور مصر والسعودية والمغرب للورشة البحرينية.
رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، كان قد حذر من لقاء المنامة وسياقه على أساس أنه يهدف إلى تبديل «الدولة الفلسطينية بالخبز».
المصري وآخرون من كبار الساسة الخبراء في الساحة الأردنية يعبرون عن مخاوفهم من مسلسل التجاوب الذي لا ينتهي مع الضغوط الخارجية على خلفية مشروع تصفية القضية الفلسطينية، حيث تطالب الدول العربية بتقديم تنازلات بالقطعة وعلى أساس ما يصفه دبلوماسيون أمريكيون بأنه برنامج خاص لتحسين ظروف الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ما دامت المعالجة السياسية التاريخية غير واردة.
خلف الستارة، شرح الأمريكيون لعمان خلال أسبوعين مسألتين، كما سربت مصادر خاصة لـ»القدس العربي»؛ الأولى تؤكد بأن المطلوب فقط حضور البحرين وقول الرأي بدون تقديم تنازلات سياسية، والإصغاء للمقترحات والمشاريع التي تعرض على الطاولة، وعلى أساس أن اللقاء استثماري واقتصادي لا علاقة له بالملف السياسي. والثانية تلمح إلى تهديد مبطن على أساس أن حصة الأردن من استثمارات سيقررها المجتمع الدولي والفرقاء في المنامة ينبغي أن يحضر أصحابها وإلا قد تفوت الفرصة.
بالتزامن مع حديث ملك الأردن عن أهمية البقاء داخل الغرفة، كان وزير الصناعة والتجارة الأردني طارق حموري يعلن بأن المديونية زادت خلال سنوات ما بعد الربيع العربي بنسبة 40% لأسباب وظروف خارجة عن الإرادة. الوزير الحموري لم يحدد ما الذي تعنيه عبارة «خارجة عن الإرادة». لكنها محاولة للاجتهاد على أساس تذكير الجميع بوقائع الأزمة الاقتصادية الأردنية وحقائقها.
وهي عملياً محاولة قد لا تعني بأن عمان وافقت على مسار صفقة القرن الجديد بعد إخفاق بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومته والدخول في استحقاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع نهاية الصيف المقبل، بقدر ما تعني بأن «المسار الموازي» لصفقة القرن وتحت لافتة «الإنعاش الاقتصادي» لضحايا الاحتلال الإسرائيلي حول نهر الأردن وبالضفتين، دخل لسبب أو لآخر في مزاج الأجندة الأردنية حتى لو من باب «الحضور للمشاهدة فقط».
«من حق الأردن، ما دام ظهره مكشوفاً عربياً وأزمته الاقتصادية تزداد نمواً، اتباع وصلة تكتيكية سياسية يحاول فيها عدم التحدي وتجنب الصراخ والحفاظ في الوقت نفسه على مواقفه وثوابته العلنية…» هذا ببساطة ما يقوله البراغماتيون في عمان، الذين يطرحون داخل أروقة الحكومة سؤالهم حول مبررات الغياب عن المنامة ما دامت المقاطعة لا تحدث فارقاً سياسياً.