نظام «الفوترة» الضريبي يهدد بأزمة في الأردن ونقيب المحامين يتحدى الرزاز… «احبسونا»
«مطب» من العيار الثقيل جداً في درب حكومة الرئيس عمر الرزاز في الأردن. نقيب المحامين مازن ارشيدات يعقد مؤتمراً صحافياً ويتمسك بقرار نقابته عدم الالتزام بنظام «الفوترة» الجديد، ويقولها بالبنط العريض: «احبسونا».
هذه اللهجة المتحدية توحي ببساطة بأن الأجواء والمناخات تتجه نحو التصعيد مع النقابات المهنية مباشرة بعد تعميمات الالتزام بنظام الفوترة الجديد تحت شعار محاربة التجنب والتهرب الضريبي.
تقرر نقابة المحامين، منذ ثلاثة أيام، وحدها، تعليق الجرس باسم النقابات المهنية، فتعلن قرارها بالتمرد على نظام الفوترة، بمعنى أن طبقة المحامين في البلاد قررت استثناء أعضائها من نظام الفوترة.
لاحقاً، أوضح النقيب ارشيدات المسوغات والخلفيات، واتهم الحكومة بتجاهل مخرجات حوار تم فعلاً في الماضي معها على هذا الملف.
شعر الرئيس الرزاز بالصدمة لأنه يعتبر نظام الفوترة ببساطة أحد أهم منجزات حكومته الحضارية، متوقعاً أن يصفق المجتمع المدني بنقاباته وأحزابه للفكرة والبرنامج.
تباغت نقابة المحامين الجميع، ولم يقف نقيبها عند حدود التمسك بموقف النقابة والاستعداد للذهاب إلى السجن في المقابل، وفقاً لما نشره المحامي محمد الصبيحي عبر صحيفة عمون، بل أعلن أن نقابات أخرى في طريقها للموقف نفسه.
ستصبح الأزمة أعمق فعلاً إذا ما قررت أم النقابات المهنية، وهي نقابة المهندسين، مشاركة المحامين في العزف على هذا العصيان.
بالنسبة لحسابات ارشيدات ورفاقه في مجلس النقابات المهنية، ثمة فضل للجسم النقابي على حكومة الرزاز، فمسلسل سقوط حكومة سلفه الدكتور هاني الملقي بدأ أصلاً مع أول إضراب مدني شهده التاريخ السياسي الحديث للأردن منذ عقود، ونجح في القفز بالرئيس الرزاز إلى الواجهة.
صحيح أن الرزاز أصر أمام «القدس العربي» ورداً على استفسار مباشر لها، على روايته التي تقول بأن الشارع لم يقفز به رئيساً للحكومة وبأن ارتفاع سقف التوقعات منها ليس شأنه.
لكن صحيح أيضاً أن ما يلمح إليه النقيب ارشيدات، وهو شخصية تمثل ثقل طبقة المحامين المهمة جداً في المعادلة الداخلية، هو الاستعداد للتصعيد ضد نظام الفوترة الذي يؤكد الرجل أن النقابات المهنية هي التي طالبت به أصلاً، لكن نصوصه وتعليماته بهيئته التي صدرت تبتعد عن مضمون ما اتفق عليه مع الحكومة.
ما يحاول رموز العمل النقابي الإشارة إليه، ومنهم طبعاً نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، هو لفت الأنظار إلى أن متطلبات إدارة المشهد العام غير ممكنة بدون مؤسسات ثقيلة تمثل الرأي العام، وقوى شعبية أساسية مثل النقابات المهنية.
قالها نقيب المهندسين لـ «القدس العربي» عدة مرات: إقصاء القوى الأساسية في الشارع والنقابات المهنية واستبدالها بتعبيرات مدنية أو تدعي المدنية هنا وهناك- لا يمكنه أن يتسم بالحكمة ولن يكون منتجاً.
في كل حال، يبدو أن ملف نظام الفوترة يتدحرج مع إعلان المحامين التمرد عليه.
وينتقل هذا الملف من كونه مجرد إجراء تتطلبه مقتضيات معادلة الضريبة الجديدة وتحسين كفاءة التحصيل إلى محور للتجاذب السياسي مع الحكومة وسلطاتها باسم النقابات المهنية، علماً بأن بعض الأقلام المحسوبة على الحكومة واللوبي الصناعي المقرب منها بدأت مبكراً تهاجم نقابة المحامين وغرفة تجارة عمان بطريقة تنطوي على تشويه وتحريف لمسار الملاحظات.
تلك الأقلام تقوم بواجبها لصالح مراكز قوى، والنقابات المهنية مع مؤسسات فاعلة بحجم غرفة تجارة العاصمة، لها وجهة نظر فنية ووطنية من الصعب اتهامها وتشويهها على قرارات حكومية وعلى كيفيتها وإنتاجيتها.
وعليه، يتوقع أن يرتفع منسوب التجاذب والجدل بعدما علق نقيب المحامين جرس التمرد الأول بقضية الفوترة بين الحكومة كطرف مهووس فقط بزيادة عائدات الخزينة من الضرائب، وبين أطراف المعادلة المدنية والتجارية والنقابية التي تنظر لما هو أبعد وأعمق وطنياً من نمطية «الجباية».
الخلاف مع ممثلي طبقة المحامين فقط وصل إلى أن قال ارشيدات علناً بأن الجسم النقابي كان في الماضي القريب يطالب بتغيير النهج.
تلك رسالة تلوح بتهديد مبطن لشخص الرئيس الرزاز وتجربته ومشروعه من حلفاء لا يعترف أصلاً هو بقوتهم وحضورهم.
يعتقد الجميع أنهم حملوا الرزاز وتجربته على الأكتاف في شهر أيار من العام 2018.
ملامح أزمة أو تأزيم في الطريق بذريعة نظام الفوترة بدأت بولادة مبكرة بين الثقل النقابي وحكومة الرزاز.
طبعاً، ثمة خلافات في الباطن أعمق من نظام الفوترة، لكن إعلان المحامين التمرد عليه يعني بأن الأزمة أكبر مما يعتقد كثيرون، ولم تعد لها علاقة فقط بالنهج فعلاً، بل بالأشخاص الذين تزايد الرهان عليهم لتغيير النهج.