لقاء الملك عبد الله وبايدن اليوم… الأردن في مواجهة «التماهي» أم «التكيف»؟
عمان – «القدس العربي»: “ما الذي كسبناه في الأردن؟”. هذا السؤال الصغير أصبح متلازماً مع كل موسم نقاشي على مستوى النخبة والصالونات السياسية تذكر فيه صفقة القرن. مؤخراً وبوضوح شديد، ومع ازدياد فعاليات مسار التكيف مع الأمر الواقع، زاد بعض الساسة المقربين من دوائر القرار من طرح نفس السؤال الصغير وبجرعة توحي بأن الأردن يبدو وكأنه يستعد لنسخة جديدة أو معدلة ومستحدثة من صفقة القرن القديمة، بدلالة أن وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن كان مهتماً خلال زيارته لفلسطين المحتلة أمس الأول بإظهار الجرعة التي يتحدث فيها عن اهتمام إدارة بلاده بتثبيت وتوسيع آفاق السلام الإبراهيمي.
معنى ذلك أن رموز الإدارة الديمقراطية الأمريكية الذين خففوا من اندفاعات صفقة القرن إياها يعودون اليوم لبعض تفاصيلها، سواء عندما يتعلق الأمر بالأجندة السياسية والأجندة الاقتصادية، حيث ترديد لمقولة حل الدولتين بدون خطة لتنفيذها، وحيث هوس بتحضيرات مؤتمر النقب 2 الذي سيعقد في المغرب قريباً.
معطيات الحراك الأمريكي؟
تراقب غرفة القرار الأردني بحرص بالغ معطيات الحراك الأمريكي، وفيما زار مدير المخابرات الأردنية رام الله برفقة نظيره المصري، غادرها وليام بيرنز ثم بدأ التحضير للقاء قمة أمريكي أردني بعد ظهر الخميس، يعتقد الوسط الدبلوماسي أنه لم يكن مقرراً أو على برنامج الزيارة المهمة التي يقوم بها العاهل الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن حالياً وتتضمن نقاشات “وجهاً لوجه” مع مراكز القوى الفاعلة في الكونغرس.
واحد من التفسيرات الرسمية البيروقراطية الأردنية لزيارة نتنياهو الأخيرة إلى عمان كانت تلك التي تربط البوصلة بجولة المصارحة الملكية الأردنية في الولايات المتحدة، بمعنى أن نتنياهو يسعى لتحييد الثقل الأردني قدر الإمكان أو – ولو قليلاً – في وسط دوائر القرار الأمريكي.
لكن، بالمقابل، يستقر شعور الساسة في عمان بأن تداعيات ومستحقات صفقة القرن هي التي تجري اليوم في الإطار العام، حيث لا دولة فلسطينية وحيث استرسال في الإبراهيميات وتقاسم متفق عليه في القدس، وحيث كثير من مشاريع التنمية الاقتصادية. وقد لاحظ ذلك سياسيون كثر أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، الذي ناقش “القدس العربي” عدة مرات بشأن تلك الحالة التقمصية لمضامين ومنطوق صفقة القرن حتى من جهة إدارة الرئيس جو بايدن.
بكل حال، لقاء المواجهة الصريح مع بايدن قد يساهم أكثر في فهم مضمون الخطة الأمريكية بخصوص التهدئة، وقد ينير درب الزاوية أو القراءة الأردنية في المشهد أو المنظور الهاشمي للأزمة والصراع كما يوصف، باعتباره تمثيلاً وتجسيداً لأكثر القراءات عمقاً وخبرة ليس في تفاصيل المنطقة والإقليم فقط، ولكن في كل حيثيات الصراع والملف الفلسطيني.
تبادل الآراء بين القصر الملكي الأردني والبيت الأبيض فرصة للاطلاع عن كثب على ما يجول في ذهن الإدارة الأمريكية، وفرصة موازية للإصغاء إلى الخبرة الأردنية بالتوازي مع وضع سيناريوهات مفصلة أكثر، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالدور والهامش، وحتى البدل الاقتصادي، حيث يسبق اللقاء الأمريكي مناورات عصف ذهني تشارك فيها بعض الخبرات الأردنية في الظل عبر مبادرات تطرح سؤالاً يمكنه أن يكون مفتاحاً لمعالجة أو إشارة استفهام غامضة تقود إلى مزيد من التأزيم.
والسؤال هو ما اقترحه على مثقفين عرب وأردنيين معهد أمريكي متخصص مقرب من الوزير بلينكن وطاقمه: ما مستقبل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية؟ طبعاً، الأردن قد يكون الدولة الأولى المعنية بالإجابة عن سؤال من هذا الطراز.
لكن أن تطرحه خلايا الظل الأمريكية قبل جولة الثلاثي جاك سوليفان وبلينكن ووليام بيرنز، أمر ينطوي على دلالة أبعد، وقد تكون أخطر قليلاً، خصوصاً في ظل الأنباء التي تحدثت عن خطة مصرية لتنشيط وتفعيل “برنامج تهدئة” حملها معه مدير المخابرات المصري إلى رام الله وبتفويض أمريكي على أن تحصل مصر بالمقابل على صفقة الدور السياسي الإقليمي وأوراق رابحة قد تساعدها في الانخراط بالمشروع الأمريكي، ولاحقاً في احتواء أو امتصاص أزمتها المالية أو أزمة السيولة ولو جزئياً.
بعيداً عن الهوى المصري، فإن الأردن -حسب المصري وآخرين- هو أيضاً في الانخراط. لكن لذلك كلفة قد تسمح بتدشين مرحلة إنكار المخاطر محلياً، الأمر الذي حذر منه علناً مثقفون وسياسيون بالمئات في بيان شهير صدر في عمان حاول العزف على وتر تصليب الموقف الأردني في مواجهة حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ماذا لو عادت صفقة القرن فجأة؟
يطرح كثيرون هذا السؤال وإن كان الانطباع العام بأن الصفقة المشار إليها لم تغب أصلاً مع إدارة بايدن، بل إن ما يجري وموقفها متحدان في منطقة الالتزام الأنعم قليلاً بالملامح الأساسية لتلك الصفقة، التي يقال في الكواليس والمجالس إن الأردن والسلطة الفلسطينية لعبا دوراً أساسياً في تقليم أظافرها، خصوصاً أن رئيس الوزراء الأردني الحالي الدكتور بشر الخصاونة، لم يكن رئيساً للحكومة عندما سمع منه المستشار جاريد كوشنر في اجتماع مغلق تلك العبارة الأردنية الممانعة بعنوان “المملكة لا تتحدث بلهجتين”.
هل يحتمل المشهد الداخلي والاقتصادي والاجتماعي الأردني النمط نفسه من الممانعة تجاه صفقة قرن مستنسخة ويحاول تمريرها رموز الإدارة الديمقراطية وعنوانها الأهم ليس السيناريو أو الخيار الأردني في الضفة الغربية، بل تغييب البند الأساسي الأول في الاستراتيجية اللفظية والإعلامية الأردنية والمتمثل بظن فكرة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة؟
في الخلاصة، على نحو أو آخر، ومع هجمة الإبراهيميات الجديدة، وفي مقابل التنظير الموسمي لما يسمى بمسارات التكيف، بدأت تحفيزات وفعاليات التكيف نفسه تلامس سؤالاً بأثر رجعي بعنوان: ما الذي كسبناه عندما عارضنا صفقة القرن؟
يبدو واضحاً في نهاية المطاف، أن النخب المحيطة في القرار الأردني بدأت مجدداً تطرح السؤال نفسه، لكن ليس في سياق الاستفهام بقدر ما هو في سياق المراجعة والاستنكار. بدلالة تفيد بأن الأردن الرسمي فيما يبدو ويرجح، انتهى من مسار التكيف وبدأ مرحلة التماهي والتقمص مع تلك الملامح المرتبطة بمضمون ومنطوق صفقة القرن، الأمر الذي يخشاه كل من لا يؤمن بالمغامرة في هذا السياق بين الأردنيين.