الأردن يراجع «التحديث السياسي»: تأثير المال… «سطوة» بعض الشخصيات… الحد من نفوذ «الإخوان»

عمان- «القدس العربي»: المنطق الذي يفترض بأن الحفاظ على جوهر محتوى ومشروع «التحديث السياسي» في الأردن بات يتطلب بعض «المراجعات» الأساسية، بما في ذلك «تعديلات تشريعية»، هو ذاته المنطق الذي لا يريد التفريق ما بين «أخطاء ارتكبت أثناء التنفيذ» بشرياً في ملف التحديث السياسي أو اعتبارات بدأت تتصور بأن التحديث نفسه هو الخطأ الأبرز.
طبيعي جداً أن تحظى أي تجربة إصلاحية سياسية مستجدة ببعض الخصوم الناشطين، لكن الطبيعي بالمقابل أن تثبيت قواعد الاشتباك، بمعنى تأطير مستلزمات التحديث السياسي، يقتضي بأن يتحرك في المجتمع أنصار ورموز مسار التحديث السياسي دفاعاً عن الخيار والمشروع على ألا يترك الميكروفون لأصحاب نظرية «كلفة الإصلاح أكبر من كلفة عكسه».
واضح في الخلفية الأبعد أن بعض المساحة في المناورة كان يفترض أن يوفرها مسار التحديث السياسي باعتباره «وصفة وطنية» قبل تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة، والأوضح أن مسارات التحديث السياسي التي تقررت ضمن موسم إصلاحات لا يستهان بها بقيت في جزء أساسي من وظيفتها مع الحلفاء الغربيين من العودة للحفر تحت الحكومة الأردنية في ملف الإصلاح السياسي، بمعنى التقدم الحقيقي برؤية تحديثية وطنية تعفي الجميع من الوعظ والإرشاد.
التواصل مع الرئيس ترامب حتى الآن في أسوأ الأحوال، والسنوات الأربع المقبلة يبدو أنها «لن تمر ببساطة»، ومغازلة إدارته ببرنامج تحديث سياسي مسبق في الأردن لا تبدو خطوة تحدث فارقاً، لأن ترامب ومؤسساته -برأي المحلل السياسي الدكتور رامي عياصرة- أصلاً ليس مهتماً بالإصلاح ولا بالدمقراطية ولا بالتحديث ولا حتى بالشعب الأردني ومصالح دولته.
العياصرة يضم صوته للقائلين بأن الأسباب والخلفيات التي تصاغ من أجلها السيناريوهات الاستراتيجية يجب أن تبقى وطنية المنشأ والتكوين بعيداً عن حسابات البيادر الخارجية، فيما بدأ مراقبون يقدرون بأن العودة السريعة لمقولات ومعلبات «ترشيد مسيرة التحديث السياسي» والتخلص من بعض نتائجها قد يحتاجان لـ «مسار تصويبي» يبدأ عند تعديل أو تغيير «النظام الانتخابي» وليس شرطاً أن ينتهي عنده.
ربط «أي نظرة» تحليلية في عمان بين «مراجعة بوصلة مسار التحديث السياسي» وتقييم «نتائج الانتخابات البرلمانية» الأخيرة يعني الوقوف فقط عند عناصر محبطة أو مقلقة في المشهد فقط، مثل إخفاق كبير عاشته الأحزاب الوسطية في البلاد، وبالمقابل إظهار السطوة الانتخابية للحركة الإسلامية التي تمكنت من الحصول ولأول مرة على 31 مقعداً في البرلمان.
هنا قال كثيرون إن فوز الإسلاميين بعدد غير متوقع من مقاعد البرلمان أسس لعمل «مكابح» سياسية وتشريعية على مسار التحديث السياسي، لأن الهدف من تشريعات النظامين الانتخابي والحزبي لم يكن إنتاج تسهيلات حتى يعزز التيار الإسلامي حصته ونفوذه، بل تقديم فرصة متزنة للتيارات الوسطية حصراً عبر دورة العمل الحزبي.
كانت تلك النوايا وما حصل بعد الانتخابات، باختصار، هو أن الأحزاب الوسطية التي ترعاها أطراف رسمية وتعيد هندستها أظهرت ضعفاً في مقابل تجربة الإسلاميين المتراكمة، فيما ظهر تأثير كبير ومزعج للمال السياسي في بعض مقاعد العمل الحزبي الوسطي، وتمكن الإسلاميون بالمقابل من الاختراق والحصول على الأغلبية.
ما يحاجج به المشرعون الرسميون الآن هو أن بقاء النص الحالي في قانون الانتخاب القاضي برفع نسبة المقاعد المخصصة للقائمة الحزبية العامة نحو 20 مقعداً إضافياً يعني خطوة في تعزيز حضور التيار الإسلامي في سلطة التشريع بعدما ثبت بالبرهان أن خبرات الإسلاميين تسعفهم في التعاطي المرن مع النظام الانتخابي، خصوصاً في ظل جبهة خاملة في الأحزاب الوسطية تتزاحم فيها «الألقاب» والطموحات دون أن تؤمن أساساً بالعمل الحزبي.
لذلك، يتم الترويج لبعض المقترحات على أساس «ضبط وترشيد مسيرة التحديث»، بمعنى مراجعة نصوص قانون الانتخاب والحد من النصوص التي تسمح للإسلاميين بالتفوق والريادة والاستثمار، ما قد يتطلب تشريعياً لاحقاً تعديلاً يقضي بوقف حالة «زيادة مقاعد القوائم الحزبية العامة» ووقوفها عند الحد الحالي 41 مقعداً، والمعنى- التراجع عن زيادتها بمعدل 20 مقعداً.
الهدف الأبعد ملموس هنا، وهو منع الإسلاميين من التوسع على حساب النص القانوني الضامن.
لكن الإشكالية يعبر عنها السياسي مروان الفاعوري وهو يقول لـ «القدس العربي» بأنه لا يمكنك مراجعة مشروع ضخم مثل التحديث السياسي فقط على أساس مناكفة تيار دون غيره، مشيراً إلى أن تعديل التشريعات بنصوص تتصدى للتيار الإسلامي أو للمعارضة الوطنية هو خطوات سبق أن ثبت ضعفها وتؤشر سلباً على مصداقية عملية التحديث نفسها.
في الواقع، مثل ذلك الخطاب قد لا يؤثر حقاً على الإسلاميين؛ فحصتهم من الأصوات الانتخابية في المجتمع زادت بالموسم الأخير، ومؤهلة للزيادة لاحقاً، ولديهم «فائض خبرات» غير متوافرة عند الأحزاب الوسطية في التعاطي مع أعقد الأنظمة الانتخابية؛ خلافاً لقناعتهم بأنهم يستطيعون التعايش مع «عدد أقل من المقاعد» في الموسم الانتخابي المقبل.
الاستقرار برسم معالجة مشكلة التيار الإسلامي وحصته لا يعني أن المراجعات لمسار التحديث السياسي في البلاد تقف عند حدود، فالمسألة تتعلق أيضاً بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أحزاب الوسط أيضاً، التي ترنحت بأكثر من صيغة في الانتخابات الأخيرة. وهنا يمكن فهم أن مراجعة التحديث في جزء أساسي منه يفترض أن يخدم «تحديث التحديث»، بمعنى إعادة نفض الغبار عن ملف الأحزاب الوسطية ومساعدتها عبر الدمج أو تخليصها من تأثير المال ومن سطوة بعض الشخصيات.
——————