اراء و مقالات

بلديات الأردن أمام الاستحقاق الانتخابي قبل نضوج «المنظومة»

«لامركزية» بنكهة عشائرية ومناطقية

عمان – «القدس العربي» : تتجه أنظار الأردنيين خلال الساعات القليلة المقبلة إلى يوم الاقتراع المنتظر والخاص بانتخابات البلديات ومجالس اللامركزية، في تجربة جديدة تم الحرص على إنضاجها وتنفيذها قبل حتى إنضاج حزمة تشريعات تحديث المنظومة السياسية.
وفي الوقت الذي تنظم فيه انتخابات البلديات وسط تقاطعات وتشابكات متباينة، مرة بعنوان العزوف الشعبي وبنسبة كبيرة في المدن المرتبطة بكثافة سكانية، ومرات بعنوان نتائج وتداعيات الصراع الساخن سواء على المستوى العشائري أو المناطقي في المحافظات والأطراف، خصوصاً على هامش الابتعاد أكثر وبوضوح عن النكهات السياسية، والأهم الحزبية، في مفارقة تتعاكس مع نمطية «تحديث المنظومة» ولا يمكن رصدها إلا في المشهد المحلي.

«لامركزية» بنكهة عشائرية ومناطقية

انتخابات البلديات تحظى بزخم سياسي وإعلامي نتج عنه زيارة قام بها العاهل الملك عبد الله الثاني بعد ظهر الأحد إلى الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات. في تلك الزيارة، وجه الملك رسالته الأساسية للهيئة ولجميع الأوساط المهتمة بعنوان التنويه بضرورة الانتباه لما تتطلبه حزمة الشفافية والنزاهة في تلك الانتخابات، رافضاً وبوضوح وبكل الكلمات المعتادة أي تساهل له علاقة بنزاهة العملية الانتخابية، ومطالباً بـ «عدم التهاون». والنسخة القريبة من الانتخابات يفترض في أحد مدلولاتها النخبوية أن تكون الأخيرة في عهد الرئيس الحالي للهيئة الدكتور خالد كلالدة.
في الأثناء تجربة جديدة على مستوى البرلمان المحلي في الأطراف والمحافظات وتحت عنوان متقلب، سياسياً أو تشريعياً، في مشروع اللامركزية الذي تغير القانون الخاص به عدة مرات.
في جلسة خاصة حضرتها «القدس العربي» وبحضور الوزير المختص نائب رئيس الوزراء توفيق كريشان، فهم الجميع بأن الانتخابات بضمانات الحكومة أيضاً بين يدي ولاية الهيئة المستقلة وليس السلطة التنفيذية، لكنها انتخابات المحطة المهمة جداً برأي الوزير كريشان، المعني بملف الحكم المحلي، والذي أصر على إجراء هذه الانتخابات لأنها بتقديره تساعد -رداً على استفسار مباشر لـ»القدس العربي»- في احتواء كثير من التجاذبات، وتعبر عن التطلع إلى تعزيز وإسناد خطة تحديث المنظومة السياسية التي ولدت بإرادة ملكية على أمل تعزيز الديمقراطية المحلية في المجتمعات الأردنية والتنويع في خيارات التنمية الاقتصادية.
كريشان عرض وبحماسة، الكثير من المفاصل البيروقراطية والإدارية، والأهم الاقتصادية المتعلقة بإظهار أهمية هذه الديمقراطية في مجالس البلديات والمجالس اللامركزية، سواء على صعيد دعم استقلالية القرار الإداري أو تعزيز المساهمات الاستثمارية المحلية، أو حتى وضع الكثير من اللوائح والأنظمة والتعديلات التي تضمن الإنفاق الأفضل والنزاهة المالية في المجالس البلدية المنتخبة، ومعالجة ملف ديونها، إضافة إلى أنها تضمن احتواء الكثير من مظاهر الفوضى التي سجلت بالنسبة للحكومة في عدة مرات.
لكن على صعيد سياسي، تجرى الانتخابات قبل أيام قليلة من شهر رمضان المبارك، وفي ظل تصاعد أو عودة دعوات الحراك الشعبي وأجواء غامضة في المستوى السياسي إقليمياً ودولياً، لكنها بنظر السلطات محطة مهمة لا بد من عبورها في اتجاه تعزيز منطق اللامركزية الإدارية. والأهم أن هذه النسخة من الانتخابات تحيط بها العديد من الاستفسارات؛ مرة بعنوان التدخل الرسمي في أجوائها، خصوصاً في العاصمة عمان حيث تسريبات عن دعم إحدى القوائم المشاركة على مقاعد بلديات العاصمة، أو في المدن الكبرى وسط حالة تنافس فيها تجاذب سياسي في مدينة الزرقاء ذات الكثافة السكانية تحديداً.
لكن الطابع التنافسي على الأرجح له علاقة بالمداولات العشائرية والمناطقية في الأطراف والمحافظات، مع أن بعض الشخصيات المناكفة جداً ترشحت لمواقع الرئاسة في العديد من البلديات، ومن بينها عضو البرلمان الأسبق غازي الهواملة، المترشح في مدينة الطفيلة جنوبي البلاد. والانطباع مبكر بأن نحو 83 مترشحاً على الأقل يتنافسون على مقعد الصف الأول في رئاسة نحو 80 بلدية أو أكثر بقليل، فيما التنافس يحتد على صعد مختلفة ومتباينة.
وتعقد الانتخابات المحلية الأردنية هذه المرة بدون نكهة سياسية مباشرة، فقد أعلن في وقت مبكر قبل ستة أسابيع حزب جبهة العمل الإسلامي، الخبير في العمل البلدي، عن تعليق مشاركته في الانتخابات، متذرعاً بالتدخل الرسمي، وهو ما نفاه الوزير كريشان بوضوح لـ»القدس العربي»، معتبراً أن من يتحدث عن تجاوزات وتدخلات عليه أن يثبتها ويقدم الأدلة والبراهين حتى تتصرف السلطات المختصة قانونياً وقضائياً دون أن يكتفي بخطاب سياسي لأغراض قال بأن الجميع يعرفها، معتبراً أن حق المشاركة أو عدمها للأحزاب السياسية شأن يخص تلك الأحزاب، مؤكداً أن الأبواب مفتوحة للجميع.
لكن بالنسبة للأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، فقرار تعليق المشاركة لحزبه، وهو أكبر أحزاب المعارضة، له ما يبرره على أرض الواقع، وهو قرار مرتبط برغبة الغالبية الساحقة من قواعد الحزب بالانسحاب من مشاهد التصعيد والتأزيم التي أخذت عنوان تدخل السلطات في القوائم والمرشحين، وفي الميل لبعض المرشحين دون غيرهم، خلافاً لمضايقات تعرض لها رموز ومرشحو الحزب مبكراً.
بعيداً عن هذا الخطاب السياسي، يمكن القول بأن خطة أمنية وقائية وضعت لتأمين تلك الانتخابات. لكن الظرف الاقتصادي والمعيشي ضاغط بكل المسارات والاتجاهات، وهو ما يوحي ضمنياً بمخاوف وهواجس أمنية الطابع من حصول تداعيات لتلك العملية الانتخابية، خصوصاً في ظل أوضاع الناس الصعبة في الأطراف والمحافظات، حيث التنافس بدون خطاب سياسي، وحيث اتهام السلطات بالتدخل هو المادة التي تستخدم بالنسبة لمن يفقد فرصته على أساس الاقتراع، وبالتالي الحديث هنا عن انتخابات بلدية ليست خالية من الاحتقان حتى بمعناه الأمني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى