اراء و مقالات

«أساس الاستقرار»… كلمة ألمانية في وصف الأردن: بحث عن الورقة المخفية في أوكرانيا وخسائر مع موسكو ودمشق

عمان ـ «القدس العربي»: ثمة حاجة لا يمكن الاستهانة بها للعبارة التي وردت على لسان المستشار الألماني أولاف شولتس بعد ظهر الثلاثاء وهو يستقبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حيث قال الزعيم الألماني إن الأردن هو أساس الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ويقدم مساهمة فعالة في الاستقرار السياسي والاقتصادي للمنطقة، مشيرا بطبيعة الحال إلى أن بلاده هي ثاني أكبر مانح عالمي للأردن ومؤكدا أن بلاده ستبقى شريكا وداعما للتعاون.
ذلك بطبيعة الحال على هامش الزيارة المهمة التي قام بها إلى ألمانيا عاهل الأردن في إطار محاولة تكتيكية لها مسار إستراتيجي لضرب عدة أهداف بحجر واحد تقريبا حيث تريد عمان الاطلاع أكثر على طريقة وصيغة المجموعة الأوروبية في مآلات ونهايات المواجهة العسكرية المحتدمة في أوكرانيا الآن.
وتلك الإطلالة على دولتين مثل النرويج وألمانيا تمكن صانع القرار الأردني من ترسيم وتحديد البوصلة أكثر قياسا بالظرف الذي يمر به العالم والمنطقة.
الأهم ان العاهل الأردني وصل ألمانيا بعد مقابلة خاصة مع ملك النرويج وزيارة ناقش فيها مع برلمان النرويج آفاق التعاون المشترك أيضا وتخللها الإشراف على تدريب لمكافحة الإرهاب.
وهذا يعني أن تنقل الأردن بين محطات مهمة في العالم اليوم مثل في الوقت الذي تستمر فيه الاتصالات مع واشنطن بمثابة إستراتيجية للاشتباك مع الواقع الموضوعي.
لكن السؤال هو ما الذي يفيد الأردن في هذه الإطلالات حيث عقل المؤسسة التي تدير الانحيازات والبوصلة الأوروبية وحيث أن الخارجية الأردنية حرصت بوضوح على تجنب الكمائن والألغام منذ اندلعت الأزمة الأوكرانية بمواقف واضحة ومحددة وتقترب من البوصلة الأمريكية وبوصلة الأصدقاء والحلفاء الغربيين من الأزمة مع أن بعض الخسائر السياسية إستراتيجية الطابع في إطار علاقات كانت تنمو بين عمان وموسكو.
والأهم في إطار اتصالات بين الأردنيين والروس كانت دوما تساهم في ترسيم وتحديد المصالح الحيوية الأردنية في العمق السوري تحديدا.
بهذا المعنى تدرك عمان أنها إستراتيجيا خسرت مساحة مثيرة تم بناؤها طوال الأعوام الستة الماضية في العلاقة مع موسكو تحديدا حيث أن الكثير من المسائل كان يناقشها مع الروس وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
وحيث عدة زيارات للملك عبد الله إلى موسكو نتج عنها تعاون ما، في مجالين تقريبا: أولا المجال المتعلق بسعي الأردن لتوريط موسكو أكثر في عملية السلام وقضية الشرق الأوسط والمعادلة الفلسطينية تحديدا تجنبا للضغوط التي يمارسها الحليف أو الشريك الاسرائيلي لعملية السلام.
لكن خسائر عمان في المسار الاستراتيجي الثاني تمت ترجمتها عبر غياب الصديق الموثوق الذي كانت ترسل له الرسائل ويتدخل لصالح بعض المعطيات في عمق المعادلة السورية من بينها معطيات أمنية ومعطيات عسكرية ومعطيات سياسية ومن بينها أيضا المساهمة عبر غرفة تنسيق مشتركة بين عمان وموسكو في المسألة السورية تحديدا في تأمين الحدود وفي إعادة فتح المعابر الحدودية مرتين على الأقل.
يعني ذلك ان خسائر عمان ليست سهلة قياسا بالظرف الإقليمي وقياسا وهذا الأهم بظرفها الاقتصادي الحالي خصوصا وأن أزمة سريعة بعنوان ارتفاع حاد في أسعار المواد التموينية برزت وسط الأردنيين بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي يمكن القول إن مشوار الاستكشاف الأردني في عقل بعض العواصم الأوروبية شكل ضرورة ملحة مرحليا بالنسبة لدوائر صناعة القرار الأردنية، فعمان تحتاج لحليف قوي مثل المستشار الألماني يتحدث عن دورها باعتبارها من ضمانات الاستقرار في الشرق الأوسط.
وعمان تحتاج لإطلالة معلوماتية واستخبارية عن تلك الأوراق التي يخفيها الاوروبيون وبالتالي الأمريكيون عن حليفهم الأردني في المسألة الأوكرانية وبهدف هندسة بعض السيناريوهات والتأسيس لترسيم حدود ومسافات مصالح تبقي الأردن بأقل الخسائر عندما يتعلق الأمر بالنتائج والتداعيات خصوصا وأن تصور المؤسسات الأردنية يؤمن اليوم بان ما يحصل في أوكرانيا سيؤثر وبقسوة خلال الاسابيع والاشهر المقبلة على ملفين يعتبران في غاية الأهمية بالنسبة لاستراتيجية البقاء والصمود الأردنية وهما الملف الفلسطيني والملف السوري بصفة خاصة.
وحتى لا يدفع الأردن ثمن مغامرات الدول الكبرى في محيط البحر الأسود يمكن القول إن الرحلة الاستكشافية الملكية الأردنية عبارة عن محاولة اختراق إستراتيجية الطابع للبقاء في أقرب مسافة ممكنة من دول الطوق الغربية والاتحاد الاوروبي والمدن التي يصنع فيها القرار خصوصا وان هوامش الدور الاقليمي الأردني عموما في أضعف احوالها.
وبالتالي رحلة الاستكشاف الأردنية إلى محطات أوروبية ضرورية أيضا لإرسال وتوجيه رسائل للحلفاء والأصدقاء تنطوي على أولا تجديد الثقة بالأردن قيادة وشعبا في إطار دوره الاقليمي بتثبيت الاستقرار والسلام.
وثانيا توسيع آفاق العوائد والمكاسب الأردنية على صعيد مساعدات المالية والاقتصادية وبالتالي عبر التأكيد وتكرار دور الأردن في مجال احتواء ملف اللجوء السوري تحديدا وهو ما ألمح له الملك الأردني اثناء مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني.
والأهم من كل ذلك قد يكون استعراض حصة الأردن في عملية تقاسم النفوذ التي تجري وتغير في ملامح المنطقة في هذه المرحلة الصعبة في ظل عودة أجواء الحرب العالمية وحمى الاستقطاب التي تنتج عن معسكرين، فعمان هنا تحتاج لضوء أخر النفق وتسعى لإعادة تفويض اصدقائها الدوليين لدورها وحصتها في الدور الاقليمي خلافا للاطمئنان على تلك الحصة ولو عن بعد ما دام الامريكيون وهم الحلفاء الأساس يوم يفرجون عن المعطيات والمعلومات بالقطعة والتقسيط.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading