الأردن: سموتريتش يدفع بكمين بطاقات الجسور إلى الواجهة… وتفكيك العلاقة بين «الوثيقة والأرض»
«الوضع صعب ومعقد والضفة الغربية التي نعرفها باتت على الحافة»

عمان ـ «القدس العربي»: مجدداً، عادت محطة الميادين التلفزيونية اللبنانية للعزف على أوتار «مخاوف الأردنيين» صباح أمس الإثنين، عندما تحدثت عن اتصالات مباشرة أجرتها سلطات الإحتلال الإسرائيلي مع نحو 400 ألف مواطن فلسطيني من أبناء الضفة الغربية والمقيمين فيها وحملة جوازات السفر الأردنية، ومطالبتهم بالمغادرة.
لم يتسن حتى مساء الأحد، الحصول على معلومات موثقة من الحكومة الأردنية حول علم السفارتين الأردنيتين في كل من رام الله وتل أبيب بالتطورات المستجدة على صعيد ملف «بطاقات الجسور» الأردنية التي يحملها عدد كبير من أبناء الضفة الغربية.
وهنا، طلب المركز في وزارة الخارجية الأردنية تزويده بالحيثيات التي تخرج من الإسرائيليين بالخصوص، ما يعني مباشرة أن الحكومة في عمان تتوقع أن يلعب الوزير المتطرف سموتريتش بورقة بطاقات الجسور في كل الأحوال عاجلاً أم آجلاً، بالتزامن مع ما بدأت صحافة إسرائيل تتحدث عنه بعنوان «الضم الواقعي» للضفة الغربية.
ولم يعلن رسمياً بعد، لا في عمان ولا في الجانب الإسرائيلي، عن عدد الفلسطينيين من حملة بطاقات الجسور الصفراء التي تتيح لحاملها الإقامة المزدوجة في الضفتين، ولا عن معطيات مؤكدة بخصوص أوامر صدرت من الوزير سموتريتش بصفته صاحب الاختصاص بمغادرة من يعتبرهم «غير شرعيين» في الضفة الغربية، وعددهم حسب الميادين 400 ألف أردني فلسطيني.
حتى العدد غامض، وإجراء سموتريتش يشمل أو يفترض أن يشمل ـ عندما يسعى لفرضه ـ من يحملون البطاقات الخضراء أيضاً، خصوصاً في منطقتين هما مناطق المستوطنات الجديدة المقررة، والمناطق «سي» وهؤلاء شريحة من أبناء الضفة الغربية يحملون بطاقة خضراء مع وثيقة سفر أردنية بدون رقم وطني.
الغرق في التفاصيل يعني سياسياً أن «سموتريتش بدأ لعبته الخطرة ضد الأردن» وهو الوزير الإسرائيلي المعني بالملف، وفقاً للخبير القانوني الدكتور أنيس القاسم؛ لأنه حصل بموجب اتفاق تشكيل الحكومة على موقع متقدم في وزارة الدفاع وليس المالية فقط، وهو موقع وظيفي يكلفه بوظيفة الحاكم الإداري العسكري للضفة الغربية.
المعنى هنا أن سموتريتش بدأ يمارس ما يرى أن صلاحياته في الضفة الغربية بهدف إخلائها أو تخفيف عدد سكانها. وطبيعي أن يبدأ بالقضية الأوضح، وهي كل من يحمل جواز سفر أو رقماً وطنياً أردنياً، دون أن يعني واقع الحال بأن سموتريتش لا يخطط لما هو أبعد.
«الوضع صعب ومعقد والضفة الغربية التي نعرفها باتت على الحافة»
عضو الكنيست الإسرائيلي العربي أيمن عودة، كان قد أبلغ الأردنيين علناً قبل أكثر من عام عن خطة سموتريتش، وفكرتها بعد «طرد» ما يمكن من أبناء الضفة الغربية، وضع خيارين أمام من يتبقى منهم، هما: «الخضوع التام، أو السجن والموت».
وأصر عودة ـ رداً على استفسار من «القدس العربي» ـ على ضرورة أن ينتبه «الإخوة في الأردن». الأوساط المقربة من سجلات وزارة الداخلية الأردنية، تتحدث عن عدد أردنيين يحملون البطاقة الصفراء يصل إلى نحو 280 ألف شخص فقط.
هؤلاء لا يوجد توثيق دقيق لمكان إقامتهم الآن، لأنهم يملكون حرية التنقل بين الضفتين وخارج الأردن، وبعضهم على الأرجح يقيم خارج الأردن وفلسطين، لكنه مسجل في قوائم البطاقات الصفراء في كل حال.
عملياً، وطوال نحو عامين، لم تتعامل الحكومة الأردنية بجدية مع الطروحات التي تحاول التنبيه لكمين «بطاقات الجسور». والعام الماضي، وقف وزير بارز في الحكومة أمام الإعلام وقال: «لا توجد إشارات لترحيل جماعي في الضفة الغربية حتى الآن».
اليوم، الإشارات تكثفت وبكل اللهجات. وما يبدو عليه المشهد أن الحكومة الأردنية تتصرف على أساس خطر وشيك، ومن صنف لا يمكن نفيه، ويبدأ من عند «قوننة إسرائيلية خطرة» لإجراءات تفكيك العلاقة بين الوثائق الرسمية الأردنية ومن يحملها من جهة، وبين الأرض من جهة أخرى، في خديعة كبرى تعرض لها الأردنيون والفلسطينيون قبل أكثر من 30 عاماً؛ لأن بطاقات الجسور صدرت أساساً بموجب اتفاقيات دولية وتفاهمات مع ضمانات بهدف تسهيل حياة الفلسطينيين وضمان بقائهم على أرضهم.
الحكومة الأردنية منزعجة جداً الآن، بدلالة أن الناطق الرسمي باسمها الوزير محمد مومني، صرح السبت الماضي قائلاً: «الدولة الفلسطينية ستقوم، والشعب سيحصل على حقوقه رغم أنف يمين إسرائيل».
منسوب التصعيد في خطابات المسؤولين الأردنيين، الأسبوع الماضي، يؤشر على أن «فأر سموتريتش» سياسياً، بدأ يلعب في الصدر الأردني.
ومرحلة «إخلاء الضفة الغربية» من كتلة سكانية ضخمة ومؤثرة «بدأت فعلاً» لا بل في طريقها للتدشين بدون أدنى اعتراض من الضامن الأمريكي لاتفاقيات السلام، وبدون توفر قدرة على إعاقتها، لا من النظام الرسمي العربي ولا من الدول الأوروبية ومؤسسات المجتمع الدولي.
معالجات الأردن لا تقف عند تصنيف أي تحريك للسكان باعتباره «إعلان حرب» بل بالسعي والتخطيط لـ «هجوم سياسي دبلوماسي» معاكس لمقترحات «الضم الإسرائيلية» للضفة الغربية.
وهو ما تطلب وقفة ملكية طارئة لعدة ساعات، الأحد، مع أبو ظبي، وارتفاع حاد في منسوب التشاور الأمني مع السلطة الفلسطينية، والسياسي مع مصر.
«الوضع صعب ومعقد، والضفة الغربية التي نعرفها باتت على الحافة»… تلك عبارة يرددها اليوم في أروقة القرار الأردني مسؤولون رسميون كبار وهم يحاولون الإجابة عن سؤال الاستحقاق «كيف نتصرف؟»… أردنياً، الإجابة قد تفاجئ كل الأطراف.