اراء و مقالات

الأردن: ازدحام الجسور كشف المستور… الشقيق المغربي دخل على الخط والأمريكي خطف الميكروفون.. لماذا؟

عمان – «القدس العربي»: الأغرب سياسياً من حصول مداخلات وتدخلات لدول متعددة أخرى في الأزمة الأخيرة المصطنعة من جهة الإسرائيليين على الجسور والمعابر، هو أن أحداً في النخبة السياسية الأردنية لم يقف بصدق وعمق، لا علناً ولا في الغرف المغلقة، أمام المشهد الذي تراكم لكي يعيد طرح السؤال بعنوان المخطط الإسرائيلي اليميني الواضح لإخراج الأردن أكثر وقبل من غيره من المعادلة الفلسطينية.
لا أحد على الأقل في نخبة القرار يريد أن يعترف اليوم في عمان بأن الإسرائيلي يتحرش يومياً، لا بل سيادياً، في بعض الأحيان بكل منظومة المصالح الأردنية الأساسية في العمق الفلسطيني، وبأن هجوماً شرساً بدأه اليمين الإسرائيلي على الوصاية الهاشمية في القدس ينتهي اليوم بمشهد مستجد يشاغب ويناكف بنسبة ملموسة في العمق حتى على الحصة الأردنية في إدارة ملف الجسور والمعابر، والتي يقدر ويقرر الناشط السياسي والبرلماني الأردني محمد الحجوج أمام “القدس العربي”، أنها – ويقصد الجسور والمعابر – أول أداة تواصل ممتدة نحو التاريخ الحديث وتحكمها الجغرافيا بين شعبين. بوضوح، تتعامل النخب الحكومية على الأقل المعنية بالملف وكأنه ليس سياسياً بامتياز.
وبوضوح أشد، يناكف الإسرائيلي ويتحرش مجدداً، فيلعب بورقة الضغط على الفلسطينيين لتغيير مسارات العبور وحركات النقل على الأردنيين، وإنتاج أزمة حادة بالصيف عبر جسورهم ومعابرهم، ثم على السلطة الفلسطينية، لكي يضطر بعض رموزها للاستعانة مرة بالأمريكي، ومرة أخرى بالمغربي، وهي المحطة التي لفتت أنظار حتى الدبلوماسيين الغربيين في العاصمة عمان.
مملكة المغرب في الإعلام على الأقل قامت بجهد مشكور في التفاوض مع الإسرائيليين لتسهيل إجراءات عبور الفلسطينيين عبر الجسور الأردنية، وبدا لافتاً جداً للنظر أن مثل هذا النبأ يعمل على تضخيمه الإعلام العبري بخبث، فيما أصل المسألة والحكاية ينبغي أن تكون، سياسياً وبيروقراطياً وأمنياً وحتى سيادياً، أردنية محضة. لمس المراقبون كيف ارتبك المستوى الدبلوماسي الأردني على الجسور والمعابر فجأة.
ولمس الخبثاء من السياسيين فقط كيف أن جزئية صغيرة لكن مدلولها السياسي كبير، مثل حركة المسافرين على جسور ومعابر الأردن الشقيق التوأم، والمعبر الوحيد عملياً، في الزحام الذي حصل الأسبوع الماضي بعد عطلة الصيف، خطف الميكروفون الخاص بها مرة الشقيق المغربي؛ فشكره الإسرائيلي بالإعلان علناً ومعه الفلسطيني أحياناً، ومرة الصديق والحليف الأمريكي.
ليس سراً أن الدور الأردني هنا تقلص رغم أنه الأساس والجوهر في المسألة لوجستياً.
وليس سراً أن ذلك حصل بتحريض إسرائيلي خبيث يعيد إنتاج الأسئلة الأولى عما كان يسميه المنظرون للسلام في الأردن بالتنسيق الشديد مع دولة كيان الاحتلال العميقة.
ذلك على أساس “نوايا الشراكة” التي قدر عشرات المرات أمام “القدس العربي” خبير من وزن الرئيس طاهر المصري، أنها كانت وستزداد خباثة، وأنها نوايا لا يمكن الاطمئنان لها، محذراً وبصورة علنية أحياناً من أن مجمل الحراكات الأمريكية والإسرائيلية وأحياناً الإقليمية والعربية، للأسف، اليوم قد يدفع ثمنها حصراً الشعب الأردني وشقيقه الفلسطيني.
بدا غريباً للغاية ألا يتقدم أي مسؤول في النخبة الأردنية للاستزادة والبحث عن توضيحات من جهة شخصية مثل المصري. وبدا أغرب أن وزارة الخارجية الأردنية لا تعلق على الرسائل الخبيثة في مسألة الجسور والمعابر، حيث الإسرائيلي اقترح على السلطة لا بل ضغط عليها لاستخدام مطار رامون في كتف مدينة العقبة بعد الآن لتأمين سفر الفلسطينيين إلى تركيا بدلاً من عمان، مما يعني ضمنياً خسائر اقتصادية للأردن وشركاته، ومما يعني التلامس مع ما هو أخطر وسبق أن حذر منه كثيرون على رأسهم المصري مجدداً، بعنوان تسهيلات لوجستية تقنع الفلسطيني بالمغادرة وتغريه بالسفر، وقد كانت بالعادة تسهيلات يُعَدّ البيروقراط الأردني خبيراً في الاشتباك معها. لكن تلك الخبرة التراكمية اختفت فجأة الأسبوع الماضي، عندما بدأ الضجيج الإعلامي بتغطية ازدحام الجسور والمعابر الأردنية لصالح رواية مغربية في التدخل وأخرى إسرائيلية معادية للأردن بوضوح. وطبعاً، ثالثة فلسطينية حائرة وتائهة في ظل ضغط اقتصادي إسرائيلي ممنهج على معيشة الفلسطينيين وأوضاعهم الاقتصادية، وأيضاً في ظل الملاحظة الملكية الأردنية المهمة جداً التي قيلت أمس الأول فقط بعنوان صعوبة المضي قدماً بمقولة التمكين الاقتصادي بدون حلول سياسية، وصعوبة أن يوافق الأردن على ترتيبات ذلك التمكين دون أن تشمل الأشقاء الفلسطينيين.
وهي إشارة مرجعية ملغزة تقول مصادر “القدس العربي” إن لها علاقة بالمشاريع الإنمائية الأمريكية الإقليمية التي تقترح على الورق الآن، إما من واشنطن أو من تل أبيب، في مجال المياه والنقل والطاقة، دون أن تذكر مجرد ذكر السلطة الفلسطينية وأراضيها.
لم يقتصر الأمر على بروز غير مفهوم للعنصر المغربي في مسألة ازدحام الجسور والمعابر مع الأردن، بل لاحظ نفس الخبثاء، سياسياً، بأن الميكروفون تخطفه السفارة الأمريكية في عمان، حيث طاقم دبلوماسي أمريكي هو الذي يتحدث بدلاً من حكومة الأردن وأطقمها، عن توفير مراكز استقبال لائقة أكثر للمسافرين الفلسطينيين عبر الجسور. ذلك بالتأكيد غريب جداً سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً. وهو فوق ذلك مقلق للغاية وحساس ويلامس مفاصل ليس من الحكمة الاستمرار في تجاهلها.
لكن الأغرب، بالمقابل، نزعة التسليم البيروقراطي التي تظهر في مواجهة رسائل الخبث اليمينية الإسرائيلية، سواء في القدس أو عند تقديم مشاريع ورقية مقترحة للأمريكيين ولدول الخليج، أو حتى على الجسور والمعابر الأردنية نفسها، في لعبة جديدة خطرة ليس من المناسب إطلاقاً الاستهانة بها، وبصورة مرجحة ليس من الحكمة أيضاً إنكارها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى