اراء و مقالات

الأردن وأوكرانيا: لا «مخاطر تموينية» وأسوأ سيناريو «سعر الخبز»

دبلوماسياً: المزيد من التطوع والالتصاق بالأمريكي

عمان – «القدس العربي» : باستثناء الزيوت المخصصة للطعام والمستخلصة من عين الشمس، لا يوجد اعتماد في أسواق المواد الغذائية الأردنية على أي منتج أو مستهلك يتم استيراده من أوكرانيا، إضافة إلى كمية من حبوب الحمص الجاف.
دون ذلك، لا توجد «أخطار تموينية» في الساحة الأردنية يمكن أن تنتج عن الحرب المندلعة في أوكرانيا البعيدة نسبياً، فأصناف الزيوت الأخرى متاحة من أكثر من مصدر، وحبوب الحمص الجاف يمكن تعويضها من مكان آخر.

دبلوماسياً: المزيد من التطوع والالتصاق بالأمريكي

وفي الاستراتيجيات، القمح الأردني ليس روسياً، بل مصدره الولايات المتحدة، والاستيراد ممكن عندما يتعلق الأمر بالحبوب من الصين أو تركيا، فيما الاعتماد أساساً على البرازيل والأرجنتين في لحوم الدجاج المستوردة، أما الأسواق الأوروبية برمتها فهي مفتوحة لمن يدفع. تلك قواعد الاشتباك التفصيلية بعد نقاش «مهني» لـ«القدس العربي» مع خبراء أبرزهم رئيس غرفة تجارة عمان، خليل الحاج توفيق.
وهي نفسها القواعد التي تعني بأن الأردني سياسياً واقتصادياً ورغم اهتمامه بمفهوم الأمن الغذائي، لا يوجد ما يشعره بالأخطار المباشرة أو الضخمة جراء اندلاع الأزمة العسكرية في أوكرانيا، باستثناء الجزء المتعلق بارتفاع فاتورة الطاقة والمحروقات، الذي سينتج عنه بالتأكيد مشكلة عميقة في المشهد الداخلي؛ لأن الحكومة كانت للتو قد ضمنت عدم رفع أسعار المحروقات للشهر الجاري حالياً، وكانت قد ضمنت أيضاً سقفاً محدداً في أسعار الأعلاف. لا يسمح المناخ السياسي الداخلي برفع أسقف الأسعار مجدداً أمام المواطنين الذين طالبهم علناً وزير المالية الدكتور محمد العسعس، بانتظار «تضحيات» مؤلمة لم تحددها الحكومة. وما يشغل ذهن رئاسة الوزراء في انعكاسات أزمة أوكرانيا على الخزينة الأردنية هو حصرياً مسألتان:
الأولى كيفية تأمين وتدبير فوارق الأسعار دون التورط برفع أسعار المحروقات محلياً، والسؤال الفني هنا: من أين سيتم التعويض ضمن نفقات مخصصات الميزانية التي أقرها البرلمان للتو؟
المسألة الثانية لها علاقة بسؤال سياسي وأمني مؤرق أصلاً، وطوال الوقت زادت حرب أوكرانيا من معدلات طرحه: هل تستطيع الحكومة المجازفة بتحرير أسعار الخبز تحديداً باعتباره السلعة الأهم للشعب الأردني؟
وزير الصناعة والتجارة أعلن الثلاثاء، محاولاً طمأنة الرأي العام، بأن الأسعار لن ترتفع في شهر رمضان القريب، والحفاظ على أسعار الخبز هو الإستراتيجية. لكن الاعتقاد سائد وسط الخبراء بأن ارتفاع فاتورة الطاقة والنفط سينعكس بالضرورة على كلفة معيشة الأردنيين وبكل المسارات، لكن كل ذلك يمكن هضمه ما دام العنصر المؤثر خارجياً. وإذا ما تحالفت فاتورة النفط مع ازدياد كلفة شحن القمح تحديداً، يرى الخبراء بأن الحكومة ستكون مضطرة لمعادلة ما جديدة لها علاقة بسعر رغيف الخبز. وهو المحطة الأكثر حساسية؛ لأن تعقيداتها تزيد عشية شهر رمضان المبارك، فارتفاع سعر الأعلاف واللحوم يمكن التعامل معه، أما رفع سعر الخبز مع عدم وجود تحديات في تأمين مادة القمح وعدم الاعتماد فيها على أوكرانيا، فهو الإشكال الأبرز أمام الحكومة الأردنية.
في المحصلة، كانت السوق المحلية تضج أصلاً، والقطاع التجاري يطالب بسيولة نقدية للصمود وليس للتوسع بعد ضغوطات العامين الأخيرين مع الفايروس كورونا، فيما ارتفاع كلفة الشحن من الصين وأمريكا اللاتينية فخخ كل النقاشات عن الأسعار والمستهلكين.
وثمة مؤشرات على أن أسوأ ما يمكن أن يصل لعمان من آثار حرب أوكرانيا هو الوقوف على محطة سعر رغيف الخبز، التي تتجنب الوقوف عليها بالعادة الحكومات المتعاقبة.
سياسياً، لا يبدو الأمر مرهقاً أو حتى في نطاق الاحتمالات، فالانطباع متكرس وصلب وسط صناع القرار الأردني بأن هوامش المناورة المتاحة لدول أخرى مثل مصر والإمارات والسعودية في مسألة الموقف السياسي من الأزمة الأوكرانية، قد لا تكون متاحة أمام الأردنيين، خصوصاً أن الدبلوماسية الأردنية محترفة في التطوع في تقديم التضحيات والتنازلات وبعدم الاستثمار في تدوير الزوايا.
عمان الدبلوماسية هنا قالت كلمتها في الموقف السياسي بوضوح ودون التباس، ومرتين على التوالي. في المرة الأولى، عبر تصويت مندوب الأردن لصالح مشروع القرار الأمريكي الأوروبي في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة بكل ما يعنيه ذلك من البقاء في حالة التصاق بالمحور الأمريكي، والمجازفة لاحقاً بالتضحية بجملة تنسيقية متراكمة منذ خمسة أعوام مع موسكو والرئيس فلاديمير بوتين، بهدف تنسيق المصالح الأردنية في المعادلة السورية.
الأردن فقد صديقاً مهماً في المعادلة السورية وهو روسيا؛ لأنه لم يقم برسم التموقع خارج التصور الأمريكي بأي حال عند تصويت الجمعية العمومية في الأزمة التي اندلعت فجأة وأربكت الجميع. ولاحقاً، برزت الرسالة الدبلوماسية الثانية؛ فالأردن تطوع مجدداً تقرباً من المعسكر الغربي بإعلان تسهيلات خاصة لتمكين عائلات أوكرانية من السفر والإقامة في عمان عندما ترغب، سواء عبر منح التأشيرات أو الإقامة الفورية، مما يعني بأن دبلوماسية عمان قررت البقاء أيضاً في مسافة قريبة قدر الإمكان من السيناريو الغربي الإنساني.
سياسياً باختصار، الأردن متموقع في التصور الأمريكي للأزمة مع أوكرانيا، أما إقليمياً فلا دور له في المعطيات. واقتصادياً، خسائره ليست كثيرة ولا كبيرة، لكن أهمها اضطراره المتوقع في السيناريو الأسوأ يوماً ما لرفع أسعار المحروقات والخبز إذا لم يجد سبيلاً لتجاوز ذلك.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى