اراء و مقالات

الأردن والمنطقة «الرمادية»: غزوة «حسابات وهمية» وسموم «إلكترونية» يبثها الخارج ويتلقفها «الداخل»

عمان – «القدس العربي» : لا تبدو مهمة سهلة فعلاً عندما يتعلق الأمر بالقفز البيروقراطي والسياسي والإعلامي الأردني بين تلك الألغام التي تنتج عما يسميه كبار المسؤولين في عمان هذه الأيام بعاصفة «الحسابات الوهمية» التي تحاول النيل من الأردن وإثارة الشغب ومناكفة مؤسساته وإلهاب مشاعر مواطنين قلقين أصلاً، وفي ظروف معقدة، ولأسباب سياسية لا تزال غامضة على الأقل بالنسبة للرأي العام.

استنتاجان

تحدثت الحكومة رسمياً عن 60 ألف حساب وهمي على منصات التواصل، تحاول المشاغلة والمشاغبة على الأردن، وتستقر بتمويل من الخارج أو من جهات خارجية. لمّح وزير الاتصال فيصل الشبول، إلى المسألة في لقاء تلفزيوني، لكنه ترك التفاصيل. ويلمح وزراء آخرون بين الحين والآخر، ومعهم بعض المستويات المختصة الخبيرة، إلى أكثر من مئة ألف حساب منصاتي تؤسس لحالة مشاغلة للأردنيين ولإزعاجهم، وتختص ببث الأنباء السلبية والأسئلة والتعليقات التي تنتج التشويش أو تحاول العبث وتسيء إلى سمعة الأردنيين.
عند الاستقصاء يمكن، وكما فهمت «القدس العربي» التوصل إلى استنتاجين قد يكونان أكثر أهمية من واقع وجود حسابات وهمية في الخارج تحاول التأثير على الداخل. الاستنتاج الأول هو التعرض لأول مرة على المستوى البيروقراطي لمشاغلات إلكترونية على الشبكة مصنعة في الخارج، وتحديداً في دول صديقة أو حليفة، الأمر الذي يطرح سؤالاً على كبار المسؤولين يختص بالأمن السيبراني وتفعيلاته، فالحكومات بالعادة تؤسس لقواعد اشتباك مع دول مخاصمة أو منافسة. لكن إدارة تفاصيل الاشتباك مع وجود دول صديقة أو يفترض أنها حليفة، وأحياناً أنها ممولة، هو الأمر الصعب والمحرج لا بل الجديد. والاستنتاج الثاني ضمن معطيات الحفر السياسي في الظاهرة له علاقة بالرابط الذي يشبك تلك المنصات الإلكترونية المشاكسة أو المسيئة بما ينتج من مادة سلبية تتحرش بالأردن ومصالحه، عبر تقارير ومواد ومنتجات إعلامية في الخارج، الأمر الذي يشكل التحدي الأكبر للطواقم التي تدير غرفة العمليات في المجال الإعلامي وفي جميع مؤسسات الدولة، التي يبدو حتى الآن على الأرجح أنها أقل مهارة وخبرة من أن تتولى إدارة الرد والاشتباك، أو أنها منشغلة بدور سياسي على حساب تقني ومهني.
في كل حال، يهمس كبار المسؤولين في الأروقة المغلقة وخلف الكواليس عند الاستفسار منهم، ببعض التفصيلات المتعلقة بهجمة الحسابات الوهمية على البلاد، والتي تضرب على الأعصاب الحيوية لبعض الموظفين والمسؤولين، حيث لاحظ الجميع بأن تلك الهجمة تكثفت عند محطات محددة مؤخراً، مثل ملف الفتنة الشهير في بداية نيسان الماضي، ومثل ملفات أخرى تحاول المساس بسمعة الدولة الأردنية، سواء عندما تعلق الأمر بتصنيف البلاد ضمن القائمة الرمادية في مواجهة متطلبات غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، أو عندما تعلق بالحصة الأردنية التي تم تضخيمها إعلامياً فيما سمي بوثائق باندورا.
الأردن بالمعنى السياسي الأعم وخلال تعايشه مع آثار تلك الحسابات الوهمية في المنطقة الرمادية تماماً، حيث لا تعرف بعض غرف القرار من هو الصديق أو الحليف ومن هو الخصم، وعندما يتعلق الأمر برعاية أو تغذية أو توفير ملاذ لشبكة تنشر الأخبار السلبية عن الأردن في دول صديقة أو شقيقة أو مجاورة… يستمر السؤال الأساسي: ما الذي تريده تلك الدولة بصورة محددة؟
بصرف النظر عن ما يفعله أو يحتفظ به الآخرون بخصوص الأردن، يصر الخبير والمراقب الاقتصادي الشاب محمد الرواشدة، على إعادة طرح سؤال قديم: كيف نتصرف.. ماذا نحن فاعلون؟

خاصرة رخوة

تبدو الخاصرة التقنية والفنية محلياً «رخوة» قليلاً وهي تواجه تلك الحسابات الوهمية، حيث تجربة فريق وطاقم تلو الآخر، وحيث ارتجال وعشوائية وعمل بالقطعة بين الحين والآخر، مع أن وزراء إعلام واتصال تحدثوا مؤخراً فقط وفي حديثين منفصلين لـ«القدس العربي» وهما فيصل الشبول وسلفه صخر دودين، عن خطط مواجهة واشتباك عمرها 3 سنوات على الأقل، برفقة إقرار ضمني وبمناسبتين مختلفتين بالإشكالية الفنية المتراكمة المزعجة التي ترافق شبكات التواصل والتفاعل الاجتماعي، وبالتحدي المتمثل بالحسابات المتحرشة.
الوزير السابق دودين، كان قد تحدث عن وضع الأساس قبل مغادرته موقعه مؤخراً بخطة شاملة وأفقية تعلي من شأن الرواية الأردنية للأحداث، وتحتوي تلك الاحتقانات الناتجة عن التواصل الاجتماعي والإعلامي الرديء. والوزير الجديد الشبول مستعد فيما يبدو وبجرأة، للإقرار بواقع الحال والانطلاق نحو مواجهة مهنية فنية، من المرجح أن الحكومة تدرسها الآن. لكن صداعاً ينتج عن كل عملية الاشتباك، فالمشكلة لا تقف عند حدود جهة ما تمول أو تبدي أو تفبرك قصة سلبية وتبثها على الشبكة عن الأردن، بل تلامس المشكلة نفسها أطرافاً في الواقع الاجتماعي والسياسي الإعلامي الأردني من الصعب إنكارها؛ فالمواطنون الأردنيون وسط غيبوبة الإعلام الرسمي يلتقطون السلبي ويعيدون بثه وتكراره، وأحياناً اعتماده كوقائع وحقائق دون أدنى تدقيق لا في المعلومات والمعطيات ولا في الجهات التي تتبنى تلك الروايات السلبية.
المعنى هنا أن أزمة المصداقية بين الناس والمؤسسات الرسمية، وأزمة الأدوات، تضربان بقوة في هذه المساحة الضيقة.

حسابات وهمية

مشكلة الحسابات الوهمية لا تنتهي عند بث تلك السموم وإنتاجها، بل تبدأ مع إعادة تدويرها وسط الأردنيين ووسط مزاجهم الحاد، الذي يروج للسلبيات وبصراحة أحياناً للنفايات الإلكترونية دون أدنى مقاومة أو صمود لرواية رسمية بديلة مقنعة، وبسبب أزمة الأدوات نفسها.
في كل حال، أنتج هذا الواقع رقماً مثيراً ويستحق التأمل، ولا أحد يريد التوقف عنده من مسؤولي عمان، فسجلّ الجرائم للعام 2021 سجّل في بند الجرائم الإلكترونية فقط 9225 قضية وشكوى في الإدارة المختصة، 43 % منها تتعلق بالابتزاز والشتم والتهديد، وفي مؤشر رقمي تتعلق هذه المرة بفوضى الشبكة والتواصل التي لا يمكن ضبطها في كل حال عبر أذرع القوانين والتشدد في عالم اليوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading