إسرائيل تنصب حواجز في «الأغوار» والمطلوب من «نهر الأردن» التنازل عن «الجار الفلسطيني»
تحت الغطاء الأمريكي الذي وفرته «صفقة القرن» لمشروع اليمين الإسرائيلي
بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بنصب الحواجز في الجزء الفلسطيني من الأغوار الشمالية مبكراً، في مفاجأة جديدة لم يحدد الأردن بعد كيفية التفاعل معها، ولها علاقة بالتأكيد بالغطاء الأمريكي الذي وفرته صفقة القرن لمشروع اليمين الإسرائيلي في ضم الأغوار. تلك مسألة حمالة أوجه مجدداً في ظل الصخب الذي أثارته صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة. وعملياً، يختبر الأردن ولأول مرة حالة جغرافية وحدودية غير مسبوقة لا تقف عند حدود الجار الإسرائيلي المقلق فقط اليوم، بل تتعدى باتجاه اختبار خشن لفكرة عدم وجود حدود للدولة الفلسطينية بيد الفلسطينيين غربي نهر الأردن والمملكة الأردنية الهاشمية.
بالنسبة لبعض أدوات البراغماتية والواقعية السياسية، فإن ضم الأغوار هو تكريس لواقع جغرافي وعسكري أصلاً. لكن بالنسبة لمطبخ الدولة الأردنية، إن ما يختبر بعد استدعاء ست كتائب للجيش الإسرائيلي إلى الأغوار ونصب حواجز عسكرية، هو استراتيجية الأردن الكلاسيكية التي كانت تدعو دوماً لمجاورة حدود مع دولة فلسطينية مستقلة.
الوضع الجديد عدائي ومستفز، والأهم أنه يتكرس في الواقع الحدودي في توقيت هو الأسوأ تماماً على مستوى العلاقات بين الأردن واليمين الإسرائيلي.
أخطر ما يتضمنه مثل هذا الوضع هو تلك الإشارات لواقع موضوعي تنهي مشروع إقامة دولة فلسطينية ولها حدود على الكتف الغربي لنهر الأردن.
في الماضي القريب كان وزير الإعلام الأردني الأسبق الدكتور محمد المومني، يصر على أن عدم قيام دولة فلسطينية مستقلة قد يخلط الأوراق ويمس بمصالح الدولة الأردنية أيضاً وهويتها.
في الواقع الموضوعي ثمة مستجدات تتحرك بسرعة على الأرض، وقد انتبه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز مبكراً للمسألة عندما تحدث عن إجراءات دقيقة ستتخذ في ظل السيناريوهات التي تتوسع في المنطقة.
لا تبدو جرعة البيانات الأردنية التي صدرت عن وزيري الإعلام والخارجية، أيمن الصفدي وأمجد العضايلة، مكثفة عندما يتعلق الأمر بالجملة التكتيكية المتعلقة بالأغوار وضمها. فعمان، وعلى لسان الوزيرين، تمسكت بخطابها العلني وبمبادئها وثوابتها في عملية السلام، وقررت عدم الغرق في التفاصيل أو التعليق بالقطعة على مسار الأحداث دون رفض مباشر وقطعي لما يسمى بصفقة القرن، وأيضاً دون ترحيب فيها من أي نوع.
مبكراً، في الأثناء، وجه رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز رسالته الباطنية وهو يشير في مجالساته إلى ضرورة تذكر الحقيقة، وهي حصرياً تلك التي تقول بأن الولايات المتحدة تقدم سنوياً للشعب الأردني مساعدات قيمتها مليار و700 ميلون دولار، حيث ذكر الفايز في مناسبة اجتماعية وبحضور «القدس العربي» بأن المسألة لها علاقة ليس فقط بالثوابت الأردنية، ولكن بميزان القوى وظروف المنطقة، وبالدول العربية والإسلامية، وبالأهم بموقف الفلسطينيين أصحاب القضية، دون مزاودة على المملكة.
مثل هذه «الواقعية» لا تصدر مجاناً عن شخصية دقيقة ومعبرة عن حقائق الأمور من وزن الفايز. لكن على الأرض يستمر العمل في الإطار الاقتصادي والاستثماري على أساس وضع له علاقة بما يسميه المفكر عدنان أبو عودة بالسلام الاقتصادي فقط، حيث اجتماعات للملك في الجنوب، واحد منها مع المؤسسة التي تتولى تطوير منطقة وادي عربة، وحيث إعلان مستثمر كويتي عن توقيع مذكرة تفاهم لإقامة مصفاة بترول جديدة في معان جنوبي المملكة يعتقد الخبراء بأن وظيفتها الأساسية حلقة وصل وتخزين للنفط وبيعه إلى أوروبا، وهي وظيفة قد تعني لاحقاً طبعاً النقل عبر الكيان الإسرائيلي.
الخطاب السياسي بين عمان وتل أبيب مأزوم ومتوتر، لكن على الأرض الواقعية في مجال المشاريع خصوصاً بعد ضخ الغاز الإسرائيلي، تضرب بكل طاقتها. والعلاقات في العمق قابلة للاستئناف، والأهم أن إسرائيل تقرر التواجد عسكرياً في الأغوار وتقيم الحواجز.
في الأثناء، يتمسك الأردن بثلاثية المبادئ والثوابت والمصالح العليا. وهي ثلاثية فيها قدر من المرونة بدون التسرع في إعلان موقف يغضب الإدارة الأمريكية أو يرضيها بالوقت نفسه ضمن سياسات عمان المألوفة في مجال البقاء في مسافات آمنة ومتزنة، على حد تعبير الوزير أيمن الصفدي.
لكنها أيضاً سياسات قد لا يخدم مصالح الأردن عبرها البقاء في مستوى الاتزان المشار إليه، الأمر الذي يفسر تركيز البيانات الأردنية على العودة إلى لغة الشرعية الدولية وحل الدولتين والعودة للمفاوضات، في نفس التوقيت الذي تتزايد فيه وسط النخبة الأردنية هتافات وشعارات الدعوة إلى الواقعية السياسية، حيث أصبحت المساعدات الأمريكية وبصورة نادرة عبئاً كبيراً على الموقف السياسي الأردني. كيف سيدير الأردن مصالحه بالتوازي مع المبادئ؟ هذا هو السؤال، وستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة.