إلى الشعب الأردني: «انتف وردة»… مصر بين «مباشرين» وميكروفون «يكذب» في اليمن والسودان
في وقت متأخر جدا يكشف قائد حراك المعلمين الأردنيين ناصر نواصرة، وعبر لقاء صريح مع شاشة محطة «الأردن أولا» عن مفاجأته التالية «شركات خاصة تبتلع وزارة التربية والتعليم».
بصراحة كمواطن أردني طوال الوقت أهتف مع حقوق المعلم وكرامته و»أسلخ» الحكومة والسلطات وتقصيرهما، لأن عنوان المعركة هو «علاوة راتب المعلم والتعامل الأمني الخشن معه».
لم نفعل ذلك لأن نواصرة ورفاقه يؤمنون بخرافة «القطاع الخاص»، الذي «يبتلع كل شيء في الأردن» لصالح أجندة غامضة يمكنك أن تتحدث عنها ثم تبدأ جدالا على طريقة «نتف الوردة… بتحبني… ما بتحبني»، حيث صهيونية وبنك دولي ونيوليبراليون جدد وقوى ظلام تتربص بالقطاع العام.
على حد علمي خرجت نقابة المعلمين للدوار الرابع بهدف «صلاة الغائب» على روح النقيب الراحل أحمد حجايا وتجديد المطالبة بـ«علاوة».
تفكيك المؤسسات الأردنية
طبعا لا يمكن لوم نواصرة على تحوله فجأة إلى «معلم» حريص جدا على بقاء وزارة اسمها «التربية والتعليم» ضمن مسلسل تفكيك مؤسسات الوطن بدأ يفتك بها «قطاع خاص»، لأن القطاع الخاص هنا حصريا عبارة مطاطة، ولأن «غرباء» ظهروا فجأة وقرروا تعديل المناهج، التي يجد أولادنا اليوم صعوبة في فهمها.
ولأن – وهذا الأهم – أبواق السلطة أيضا تتحدث عن «مؤامرة»، لها علاقة بصفقة القرن وأجنحة في الإخوان المسلمين وحماس، قلبت معلما يجوع فعليا مع أولاده على «مؤسساته الوطنية».
في الواقع الشجرة، التي صعد عليها الوطن في أزمة المعلمين، ليست كأي شجرة سابقة. الطرفان في الشارع والسلطة عشعشت في أذهانهم «مؤامرة ما» على الأرجح مخترعة لأغراض التوظيف وبصيغة لا يبدو فيها وزير التربية والتعليم قادرا على التمييز بين الكاميرات، وهو يعلق متجاهلا حتى كاميرا التلفزيون الحكومي بكلمتي «لا تعليق».
تماما، مثل الأفلام الأمريكية مع فارق واضح وملموس ومن كل الأطراف. الأداء غير مقنع والمخرج في الأصل رائد فضاء أو فني صيانة مواسير ضل طريقه إلى علم الإخراج السينمائي، أما نحن معشر المواطنين فيمكننا الانشغال بـ«نتف الوردة».
مصر على المباشر دوما
واضح تماما أن الإعلام المصري الراقص والطبال لديه «خصومات بالجملة»، وتسبب طوال سنوات ما بعد الانقلاب على الشرعية الرئاسية في إنتاج كمية هائلة من «المترصدين الأعداء» عبر كاميرات من النوع الذي يرى «خمسة أفراد» ليس أقل من 500.
حتى اللحظة وبصراحة ما زلنا ورغم اختلافنا مع النظام المصري لم نفهم بعد ما هو دور لا «الجزيرة مباشر» ولا «أم بي سي – مصر»، فكلاهما شاشتان تهتمان بـ»أم الدنيا والشعب الغلبان».
لكن في المقابل كان مذيعون من وزن عمرو أديب وأحمد حلمي وغيرهما من الكورس إياه يبالغون في الاتجاه المعاكس تماما وكأن من تظاهر في مصر لا يزيدون عن «حمولة شاحنة نص نئل».
الممثل المقاول، الذي يقود ثورة صغيرة الآن في بلاده أصبح نجما تنشر صوره محطة «سي أن أن» بنسختيها التركية والأمريكية في الوقت الذي يزيد فيه شعوري أن من حرك الغاضبين في الشارع المصري اليوم هم جماعة «مش حنطلع من المولد بلا حمص».
الباحثون عن «حمص» أو حتى عن فاصولياء على حد تعبير أستاذنا الراحل طارق مصاروة يتكومون في دربنا مثل «بقجة الهم».
الشاشات العربية مصرة أن لا تقول لنا «الحقيقة كما هي» ولا يوجد ميكروفون بريء يتصرف مهنيا بعيدا عن سيناريوهاته.
حتى الفضائية السودانية فعلت ذلك، وهي تعيد وتزيد في التغطية على طريقة «اطلب الدبس من دقن النمس»، عندما يتعلق الأمر بطلبات الإنقاذ والمساعدة المقدمة للمملكة العربية الشقيقة.
مسيرة «اليمن التعيس»
تعجبنا أحيانا قناة «المسيرة» التابعة للحوثيين في «اليمن التعيس» فهي تندد وتمرمط بالأرض روايات الإعلام الحربي التابع لـ«عاصفة الحزم»، التي تبين الآن أنها لا عاصفة ولا حزم بها من أي نوع.
طبعا، ليس بالضرورة أن تكون قناة «المسيرة» هي الأخرى مؤمنة بالميكرفون الصادق، وهي تغطي الحدث، فقصة الميكروفون، الذي يعرض «ربع أو نصف الحقيقة» جزء من «ميراثنا القومي» على حد تعبير الراحل نزار قباني.
تختلف طبقة صوت مذيع الفضائية السعودية وهي تتلو خبرا يمنيا عن «إصابة أهداف الإرهابيين بدقة متناهية»، ثم يتبين لنا أن الطائرة مصابة بـ«حول بصري»، فالهدف مدرسة أو بيت عزاء أو مستشفى وفقا لـ«المسيرة» طبعا وبرفقتها نشرة أخبار «الجزيرة».
«المسيرة» تحدثت لجمهورها المقهور مع مطلع الأسبوع الأخير عن «استدراج ثلاثة ألوية دفعة واحدة وقتل آلاف من جنود التحالف». أين الجثث والمدرعات التي تفتك باللحم اليمني وتترك كل أعداء الأمة؟! طبعا هذا أبشع سؤال يمكن أن يطرحه معلق أو صحافي.
مرة أخرى فقط في العالم العربي الميكروفون يكذب ووظيفة شاشاتنا إحصاء الجثث، ونحن أمة مشغولة باتهام بعضها البعض بالإرهاب والمتاجرة بالبقية.
نحن قوم لا نريد أن نسمح لأحد بالتحدث عن «الدقة السعودية»، فهي تشبه تماما تلك «الدقة» المصرية، التي قالت يوما «منبنيش قصور رئاسية ليه يعني؟»!