الأردن: أبعد عن تركيا وإيران وخلافات “صفر” مع الجوار العربي وتجربة مع الملاذ الأوروبي
غادر رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز نيابة عن الملك عبد الله الثاني إلى مؤتمر دافوس الاقتصادي. ويبدو واضحا هنا أن انتداب الرزاز لحضور اجتماع دولي لمجتمع الاستثمار والمال والأعمال له علاقة بالسياسة الأردنية المرجعية الجديدة والتي تفضل تجميد التحدث المباشر لاستقطاب المستثمرين إلى ان تتهيأ في البلاد بيروقراطيا وإداريا نقطة تحول أساسية تحترم الاستثمار وتدفع به باتجاه الأولويات.
لكن الأهم أن الخيار الاستراتيجي للبوصلة الأردنية هذه الأيام متجه نحو أوروبا أكثر خصوصا بعد تراجع الدور الإقليمي الأردني وبروز أجندة يمينية أمريكية وإسرائيلية معادية إلى حد كبير لمصالح الدولة الأردنية ونظامها ومؤسساتها.
عمليا من الصعب تحول الأردن سياسيا إلى بلد يقيم علاقات متوازنة مع دول المحور الإيراني.
وقد أظهرت الجملة الملكية النقدية للدور التركي مؤخرا في المنطقة أن عمان تستصعب في الوقت نفسه التواجد بمسافة قريبة جدا أو أكثر مما ينبغي من برنامج وأجندة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
علاقات استراتيجية وتحالفية
ساهم تجميد اتفاقية تجارة حرة مع تركيا بتوجيه رسالة ضمنية لأنقرة تفيد بأن موقف الرئيس اردوغان الداعم للوصاية الهاشمية الأردنية لا يكفي لإقامة علاقات استراتيجية وتحالفية، فالأردن لا يزال في حالة تموضع لا يريد فيها إغضاب أو إزعاج دول الجوار مع بعضها البعض.
بمعنى آخر يتجنب الأردن شعور الانكفاء باتجاه تركيا وإيران وحتى النظام السوري ومحور الممانعة حتى لا يجازف بخسائر كبيرة مع المحور الثلاثي المصري السعودي الإماراتي.
ويتطلع الأردن مرحليا لعلاقات شراكة مع العراق ومن الصعب عليه، في رأي خبراء، المجازفة بعلاقات سيئة جدا مع ولي العهد السعودي وبالوقت نفسه علاقات متأزمة مع الليكود الإسرائيلي.
لكن في ظل الانحسار الذي لا تستطيع عمان إنكاره لنفوذها في عمق المعادلة الأمريكية تحديدا أصبح الاتجاه نحو بعض الدول الأوروبية هو الملاذ الأكثر أمنا بما ينطوي عليه الأمر من استعداد للتعاون والشراكة مع حلف الناتو تحديدا وبما تتطلبه سياسة الأمر الواقع بالتوازي.
المجال الحيوي المهم
في أحد الاجتماعات داخل القصر الملكي قيل وبوضوح أن الدول الأوروبية هي المجال الحيوي المهم بسبب صلتها وخبرتها في المنطقة.
لذلك يعتقد أن التقارب مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ومع ألمانيا وفرنسا تحديدا يحاول التفاعل مع ميزان المصالح وبوصلة الدور الإقليمي التائه خصوصا وسط أنباء تؤكد أن صفقة القرن الأمريكية المقلقة والغامضة قد تعلن مع نهاية الشهر الجاري.
لذلك تزيد برلين من اهتمامها بالأردن وتدعم باريس هذا الاهتمام وينتهي الحوار الأردني الأوروبي بقرض ميسر تقرر على رافعة سياسية قد تصل قيمته إلى 500 مليون دولار وهو مبلغ تحتاجه الخزينة الأردنية للإنفاق على خططها في مجال تدعيم الاستقرار وسط محيط إقليمي ملتهب.
ويعرف الفرقاء الأردنيون والأوروبيون أن أوروبا لا تستطيع تقديم أو حجب خدمات جليلة وعميقة عن الأردن وقد لا تساعد في معالجة حالة التأزيم بين عمان والليكود الإسرائيلي، لكنها قد تفلح في تأسيس خطاب يدعم بقاء الأردن مستقرا حتى عند حليفه الأمريكي، وحتى بعد إعلان ما يسمى بصفقة القرن، الأمر الذي يبرر الحوارات المعمقة جدا التي أجراها مؤخرا الملك عبد الله الثاني مع الاتحاد الأوروبي ومع الرئيس الفرنسي.
ويرى الأردنيون أن نعي ووفاة حل الدولتين على صعيد القضية الفلسطينية ينبغي أن لا يتحول إلى قدر في المجتمع الدولي حتى وان أطلق الرئيس دونالد ترامب رصاصة الرحمة على هذا الحل.
الفضاء الأوروبي هو الشريك المحتمل للأردن لإبقاء نغمة حل الدولتين على قيد الحياة ولو في الحد الأدنى مع ان الانطباع السائد هو ذلك الذي عبر عنه رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز في جلسة مغلقة حاول فيها تذكير الجميع بالوقائع والحقائق، حيث تقدم الولايات المتحدة لبلاده مساعدات مالية لا تقل عن مليار و700 مليون دولار.
يؤسس الرقم لما يسميه محللون استراتيجيون لخطاب يتعامل مع الواقع، فأوروبا برمتها لا تقدم للأردن ولو نصف هذا المبلغ كمساعدات ومنح.
لكن البقاء في الظل الأوروبي مفيد ويخفف وطأة التصعيد والضغط على عمان في أسوأ الأحوال، ويبقيها مع هامش مناورة تكتيكي يحاول إعادة إنتاج موقع الجغرافيا الأردنية في نطاق التأثير المنطقي والمتوازن وسط حيتان ومحاور الإقليم بدلا من تحول الجغرافيا إلى عقوبة يحاول العبث بها الأقوياء.
وهو ما يمكن شمه من ثنايا التحذير الذي أطلقه رئيس الوزراء الأسبق الدكتور معروف البخيت في مقال قبل أيام تحدث فيه عن مقاربة تستبدل مصالح الدولة بمنهجية ومسألة الأمن الوطني والقومي الأردني.