الأردن: تجاذبات وشروط مع صندوق النقد وتحول إلى “النمو الاقتصادي” بدلا من “الجباية”
يبدو في كواليس الإدارة والتخطيط للاقتصاد الأردني أن الفرصة أصبحت متاحة لحزمة من الإجراءات المهمة على صعيد تعزيز مبدأ الشفافية والأصول في إدارة موارد الدولة المالية تحديدا.
يحصل ذلك على اعتبار أن بعثة صندوق النقد الدولي الأخيرة التي فاوضت منتصف الأسبوع الماضي نخبة من كبار المسؤولين الأردنيين تبدو متمسكة بمتطلبات واشتراطات محددة ومفصلة على صعيد ملامح الشفافية خصوصا عندما يتعلق الأمر بإدارة نفقات الدولة والخزينة.
تلك عمليا مسألة تحدث عنها وزير المالية عز الدين كناكريه خلال اجتماعه التقييمي والتشخيصي الأخير مع مجموعة خبراء في المجلس الاقتصادي والاجتماعي حيث تم تذكير الوزير بخطط سابقة للتقشف في إدارة النفقات والتخفيف من الهدر خصوصا على قطاعات العمل العام.
هنا تحديدا خرجت من الوزير عبارات تقر بأن الخطط الموضوعة بعنوان هدر النفقات قد لا تكون انتهت بنتائج إيجابية جدا وحسابات الحكومة من واردات الخزينة على الضرائب كذلك.
في منطقة موازية ولصيقة بمسار الإدارة المالية يضغط صندوق النقد ويقترح على الحكومة الأردنية حتى يتم تأهيلها للبرنامج التالي، ترسيم وتفصيل المزيد من الشفافية في المخصصات المعنية بمؤسسات سيادية الطابع.
بعيدا عن الغرق في التفاصيل هنا لم يعد سرا في عمان أن بعض المؤسسات بدأت تستعين بشخصيات تكنوقراطية خبيرة في تدقيق الحسابات على أمل تخفيف الهدر في الانفاق وتقديم بيانات تلتزم بمبادئ الشفافية التي تشترطها المؤسسات الدولية المانحة.
يثير مثل هذا الأمر نمطا من أنماط الجدل بين كبار المسؤولين خلف الكواليس ويؤدي في بعض تفصيلاته لمخاوف عند مسؤولين تكنوقراط من تغيير جذري وعميق في أسس الانفاق المعتادة يمكن أن يؤدي إلى مخاطر في المجتمع ويضعف من هوامش المناورة أمام مراكز القوى الأساسية في الدولة.
لكن في المقابل وبعد إقرار الحكومة العلني بأن سياسة التصعيد الضريبي أدت إلى خفض واردات الخزينة من الضرائب والجمارك وليس العكس.
وفي هذا الاتجاه تحديدا يخوض الطاقم التفاوضي الأردني معركة فنية وتقنية مع ممثلي صندوق النقد وغيرهم.
وعلى هامش حديث خاص بين “القدس العربي ” ووزير التخطيط الدكتور محمد العسعس يمكن تلمس ملامح الخطاب الأردني الجديد مع مؤسسات التصنيف المالية الدولية حيث يؤمن العسعس بأن النتائج الرقمية والعلمية تقول بوضوح بصعوبة تحفيز النمو الاقتصادي على أساس الالتزام الحرفي بمضامين خطاب صندوق النقد تحت عنوان الجباية والتحصيل.
المقاربة التي يؤمن بها العسعس اليوم هي تلك التي باتت مقتنعة تماما بأن تحفيز النمو الاقتصادي هو الدرب الأصلح والأفضل لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي وليس استراتيجية الضرائب والتصعيد القديمة.
يقدر العسعس وهو القائد العملي لخطة الحكومة اليوم أن المؤسسات الدولية بدأت تصغي للتشخيص الوطني الأردني مما قاد لاجتماعات منتصف الأسبوع الماضي.
ولا يخفي مسؤولون أردنيون على رأسهم الوزير العسعس قناعتهم بأن تشخيص الأردنيين لأزمتهم الاقتصادية قد يقودهم إلى التخلي عن وصفات الصندوق وغيره لاحقا إذا رفض الصندوق الإصغاء والاستماع وأصر فقط على الجباية حيث يوجد درب وسطية يمكن التعاطي معها هنا.
وكان قبل ذلك رئيس الطاقم الوزاري الاقتصادي الدكتور رجائي المعشر قد تحدث علنا عن حسابات خاطئة جرت فيما أعلنت الناطق باسم الحكومة الوزيرة جمانة غنيمات بان تحفيز النمو هو الدرب الأفضل وليس التصعيد الضريبي قبل أن يعلن وزير المالية عز الدين كناكريه أن امساك الأردنيين عن الانفاق بعد قانون الضريبة الجديد انتهى بانخفاض واردات الخزينة.
بمعنى آخر يجمع كل من يدير الملف الاقتصادي والمالي في حكومة الأردن على أن الفرصة متاحة لإعادة التفاوض مع المانحين الدوليين على أساس خطة مشتركة تؤمن بخلق فرص العمل عبر الاستثمار وتحفيز الاقتصاد وليس عبر الضرائب وفقا للشروحات التي يقدمها الوزير العسعس نفسه.
لكن الحكومة في الوقت نفسه لا تقول لأي طرف كيف ستفعل ذلك، والسؤال الذي يطرحه الجميع وسط نمو اقتصادي خفيف وزيادة الصادرات واستمرار موجات الإقليم المضطربة بصيغة: كيف تجذب الاستثمارات، وكيف سيتم تحفيز النمو الاقتصادي؟
وسبق أن حاول اللاعب الاقتصادي الأبرز في البرلمان النائب الدكتور خير أبو صعليك الإجابة على هذا السؤال عبر مؤتمر خاص ومغلق للمعنيين في البحر الميت انتهى بنقاشات وسجالات ولكن بدون وصفات قابلة للتطبيق أو تظهر الحكومة جدية في التعامل معها.