الأردن: عودة “التنمر” وحالة من “عدم اليقين” الإداري السياسي تخلط الأوراق
الوقوف على مشهد مجموعة من عمال المياومة وهم يحاولون اقتحام مكتب عمدة العاصمة ورئيس بلديتها يوسف الشواربة الأسبوع الماضي برفقة أوركسترا من الشتائم والألفاظ النابية وبوجود مجموعة من قوات الدرك تحمي مكتب رئيس البلدية، يعني عمليا وسياسيا ووطنيا اليوم مصافحة إحدى أكثر النقاط حساسية في التفاعلات التي يشهدها الشارع الأردني.
لا علاقة للأمر هنا بمناخ وأجواء الربيع العربي عام 2011 حيث سلسلة طويلة من التنمر الإداري قابلتها الدولة باسترخاء القبضة والمجازفة بالهيبة وحكم القانون لاعتبارات لا مجال لذكرها والتحدث عنها الآن.
يشهد أحد رجالات الدولة أمام “القدس العربي” بأن مرحلة الربيع العربي وتحديدا بعد إسقاط النظام في مصر، كانت صعبة وحرجة وتخللها ليس فقط بعض التنازلات الدستورية والإصلاحية لكن الكثير من مؤشرات الخوف والارتباك من قادم مجهول.
عبر الأردن بعبقرية قيادته وشعبه أيضا من تلك المرحلة المنفلتة. بعد العبور بسبع سنوات على الأقل تعود مظاهر التنمر الإداري والحراك الشعبي تحت يافطة معيشية ومطلبية قد يكون أصعب ما فيها أنها خالية من المطلب السياسي وتنمو وتتغذى على الأزمة الاقتصادية والمالية المتنامية.
يساهم في تعقيد الموقف هنا ما يسميه محلل سياسي من الوزن الثقيل مثل عدنان أبو عودة حالة “عدم اليقين” وهي حالة ينتج عنها في رأي صاحب النظرية الكثير من الخوف والارتجال وأحيانا العشوائية التي تنعكس على مسارات الإدارة في كل التفاصيل.
في كل حال المشهد المشار إليه في بلدية العاصمة يمكن تأمله باعتباره مؤشرا مقلقا على عودة التنمر وحراكات الاعتصامات في الشارع الشعبي خصوصا بعدما قرع قطاع المعلمين كل أجراس الإنذار بإضرابهم الناجح والذي دخل أسبوعه الثالث وبصيغة ألهبت مطامح ومطامع غالبية مكونات وشرائح قطاعات العمل العام.
أنتجت نقابة المعلمين هنا ولا تزال مستويات متسعة من الجدل والتجاذب المطلبي في الوقت الذي تبدو فيه بعض مستويات التعبير الأمني منفعلة أو حائرة وتتراوح ما بين الخشونة والنعومة عند التعاطي مع أي فعاليات في الشارع وبارتياب شديد.
يحصل ذلك لأن حالة عدم اليقين السياسي والإقليمي لا تشمل دوائر القرار والحكومة والسلطة فقط، فهي تشمل أيضا شرائح المجتمع.
بمعنى أن تلك الحالة تفرض إيقاعا أكثر صخبا عند الجمهور عندما يقرر الاعتراض أو المطالبة بالإصلاح أو يعزف على وتر الفساد والمال المنهوب أو حتى عندما تلجأ شرائح منه وبدون تنظيم أو بنية مؤسساتية إلى أنماط باتت ملموسة في الشارع بعنوان “التنمر الإداري”.
تبقى الاعتصامات والاضرابات المنظمة لها مرجعية، بالتالي هي أقل خطرا وإثارة للحساسية من المجموعات التي تصعد بالخطاب والهتاف المنفلت وتمس بهيبة الدولة والقانون ضمن معطيات التنمر الإداري في الوقت الذي تبدو فيه قبضة القانون حائرة أو متأثرة عمليا بمجمل ملف التجاذبات في بنية المجتمع وفي عمق مراكز القوى في الدولة.
يبقى دوما أن حالة عدم اليقين التي تتحدث عنها حتى النخب الرسمية في الجلسات المغلقة من الطبيعي ان تنتهي بغياب حكم القانون وتسييس الاعتبارات الأمنية والتعامل بالقطعة مع التحديات والمشكلات وفقا لمنطق رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وهو يقول إن حكومته لن تسعى لحل المشكلات العميقة واستراتيجيته ستكون انتظار حصول مشكلة للتعامل معها.
ويفسر مقربون من الرزاز هذا الإطار التنظيري بأنه ممر إجباري، لأن استراتيجيات التغيير والتحول والإصلاح الهيكلي البنيوي تحتاج في أبسط نماذجها لعدة سنوات بعد العمل المكثف وهو ما تقر به الناطقة الرسمية باسم الحكومة الوزيرة جمانة غنيمات.
في المقابل فإن التحدي عندما يتعلق الأمر باستعادة أو محاولة استعادة ميكانيزمات هيبة الدولة لا تبدو المهمة سهلة فعليا ليس فقط بدلالة الأزمة التي تدحرجت وتراكمت وأصبحت قضية وطنية رغم انها تتعلق بعلاوة للمعلمين.
ولكن أيضا لأن الشعور بتراخي القبضة القانونية يتغذى على أزمة اقتصادية طاحنة تردع أجهزة ومؤسسات الدولة من أي صدام مباشر وجوهري وشمولي مع الهيبة وحكم النص القانوني وهي مرحلة لمصلحة الشعب والدولة ينبغي ان تنتهي كما أبلغ “القدس العربي” وزير الداخلية القوي سلامة حماد مباشرة.
لكن مثل تلك المرحلة لا تنتهي، فالفوضى التي نتجت عن مطالب حراك المعلمين سبقتها أحداث مدينة الرمثا التي خضعت لها السلطات بحيث أصبحت التجارة غير المشروعة عبر الحدود حقا مكتسبا لشريحة كبيرة في مدينة تشتكي من أن التنمية لا تصلها ونظام خدمات الدولة مقصر معها.
بالتزامن مع الرمثا وبعد ثلاثة أشهر من التحضير المكثف توسعت صدمة في أوساط القرار بعدما اخفق ما سمي بمؤتمر قبيلة بني حسن لدعم الوطن والدولة، فيما بدأت تتكرر مظاهر ومؤشرات الاعتداء على المياه في الوقت الذي يؤكد فيه وزير المياه الأسبق والوزير البارز الدكتور حازم الناصر أن الأمن المائي الوطني لم يحسم ولا يزال في نطاق الخطر الاستراتيجي.