الأردن… لماذا لا نتحرك؟
لماذا لا نتحرك؟… ما الذي يعيق فعلا المسيرة؟.
..متلازمة السؤالين المشار إليهما أصبحت مرضا عضالا في الحالة الأردنية بكل تأكيد بعد نحو ربع قرن من التساؤل والتلاوم والتوقع والتكهن ضاع فيها الوزن النوعي للبلاد وتاه العباد وغرقت خلالها النخبة والأدوات في الخمول والتبلد وأحيانا «تسول أي مبادرة».
صانع القرار في بلد كالأردن ومن أعلى قمة الهرم الإداري يجلس مع أصغر موظف وأبسط مواطن في مستوى العدمية والعبثية في طرح الأسئلة وتركها معلقة بدون جواب من أي نوع وفي أي وقت.
تلك عملية أصبحت بحد ذاتها وللأسف الجديد العنوان الأعرض لحالة استعصاء شمولية في كل شيء يمكنها- لا سمح الله- في حال التخندق بداخلها وتركها تتفاعل بدون مبادرات خلاقة وفيها خيال وقدرة على تقديم تنازلات جوهرية خصوصا من قبل مؤسسة القرار يمكن أن تقود لفوضى لا يمكنها أن تكون «خلاقة».
سمعت شخصيا من أحد أفصح المشخصين لحالة البلاد والنظام والشارع في المملكة كلاما عميقا في تشخيص ليس الخلل الحالي لكن ثمن ونتيجة الصمت عليه والتواطؤ على الصمت عليه.
صاحبنا يتحدث بلغة علمية عن الاخفاق الأخير في إدارة أزمة اضراب المعلمين باعتباره مقدمة لحالات عصيان بيروقراطي واستعصاء شعبوي وتكلس مفاصل وحلقات القرار والتوجيه وأزمة الأدوات الإدارية. تلك أعراض تعرف منطقة الشرق الأوسط تماما أنها تقترب بأي حالة مماثلة من منطق «دول على وشك الفشل».
لا مصلحة لأحد وخصوصا لشرائح الشعب الأردني ولأولئك الحريصين على تصعيد الخطاب والتشكيك بالدولة وخياراتها بصورة عدمية في التصعيد الشعبوي الفارغ لأن الخسائر ستطال الجميع وبدون استثناء والتاريخ لن يرحم من عبث بأمن واستقرار ومعادلات الأردن سواء كان من خارج متآمر أو من داخل «جاهل».
ولا مصلحة طبعا للدولة ولرموزها أو لمن تبقى منها فعلا بترك الحبل على الغارب والاستسلام لحالة الخمول والكسل والإصرار على «معلبات» متعفنة في الإدارة تتلاعب اليوم بالاستقرار العام وتغذي الاحباط والاحتقان أكثر بكثير مما تنتج في الاتجاه المعاكس.
بعض الأخطاء والمغامرات تسببت بإيذاء بالغ للأردنيين وجرحتهم ومست بكرامتهم ولاحقت لقمة عيشهم وبطريقة مختلة واستعلائية وجارحة والإقرار بالخطأ خير ألف مرة من الاسترسال به
الالتفاف حول الدولة ومؤسسات الوطن السيادية والأساسية مطلب لم يعد ترفا اليوم ويحتاجه الشارع قبل السلطة وإظهار قدر من الثقة بتجربة عريقة وعميقة بنت وأسست بلدا حتى ينفذ الجميع من «كمين» استحقاقات الفشل لا سمح الله.
وفتح صفحة جديدة أيضا مطلوب من دوائر القرار المرجعي وعلى أساس قواعد لعب جديدة ونظيفة تضع حدا للمغامرين والمراهقين الذين سحبوا رصيد الدولة والنظام من وجدان الشعب بسلسلة استعراضات جاهلة لغرورهم على المواطنين والقانون وأحيانا الدستور وبخطاب أقل ما يقال عنه إنه «استعلائي ومختل ومغرور» كان يؤذي الروح الوطنية ويشغل الناس ويرهق الشرائح الاجتماعية ومجانا وبدون مبرر.
أي كلام في الشارع أو عبر مؤسساته وحراكاته عن انقلاب «بهلواني عبثي» على الواقع الدستوري والمؤسسات الوطنية الحامية والفاعلة ينضم لنادي العدمية ويسمح بتسرب كل الأجندات المريضة التي تحاول دوما خدمة المشروع الإسرائيلي دون غيره والإضرار بالالتحام بالشعب الفلسطيني.
لا يستطيع كل من يدعي الحرص على الوطن الأردني اليوم الاتجاه نحو سبل تأزيمية وليست في وقتها تنتهك مشروعية الدولة والقانون وتبالغ في صناعة الاحتقان وإنتاج السلبية وتغذي الشائعات مستغلة جهل المواطن آليات التواصل الاجتماعي وتعمل في الوقت نفسه على التبرع في فتح الوطن والتراب للأجندات المتآمرة على الشعبين الفلسطيني والأردني.
غريب جدا أن بعض من يفعلون ذلك اليوم في الشارع الأردني يتسترون بعلم مسبق أو بدونه برداء الوطنية ويختبئون خلف حزمة لا متناهية من ألاعيب تدعي الحرص على المصالحة العامة ويوغلون في بث وصناعة الحقد والأسافين والفتن.
بالمقابل أي «كلام متشدق» من قبل المحسوبين على الدولة يحتقر ألم الأردنيين ويحاول تشويه مواقفهم وتبرير «أخطاء فادحة» ارتكبتها حكومات سابقة وجازفت بها الإدارات العليا مرات عدة لن يكون مفيدا للحكم وللدولة قبل الناس.
المسألة لا تنطبق عليها معايير تركيب السلاح بعد تفكيكه ففي الحالة الوطنية الأردنية «الخطأ لا يعالج بخطأ» ولا يمكنه ذلك وعلى دوائر القرار أن تدرك اليوم بأن بعض الأخطاء والمغامرات تسببت بإيذاء بالغ للأردنيين وجرحتهم ومست بكرامتهم ولاحقت لقمة عيشهم وبطريقة مختلة واستعلائية وجارحة والإقرار بالخطأ خير ألف مرة من الاسترسال به.
لا يمكنك الآن أن تصلح الأمور وتعيد تركيب القطع التي سبق أن تفككت قصدا أو صدفة عبر الرفع من شأن الولاء السام واحتقار المهنية وابعاد واقصاء طبقة رجال الدولة الحقيقيين والعمل على استبدال المشايخ والوجهاء والبيروقراطيون الأصلاء ببدلاء لهم من لا مكان.
لا يمكنك اليوم إعادة تركيب المفكك في الحالة الاجتماعية الأردنية بأدوات قديمة ولا بتلك الأدوات الغامضة الغريبة التي لا تعرف شيئا عن الأردن والأردنيين.
صعب جدا تقبل أي مقترح شعبوي فارغ بالانقلاب على الشرعية والثوابت والتاريخ والسير نحو العدمية والدم.
وصعب في المقابل الاستسلام لثقافة «سلطة الإنكار» التي لا تريد قراءة الواقع وتتصدر المشهد العام وتنتهي دوما بما يحصل حاليا حيث أزمة مع كل محاولة لحل أزمة أخرى.