الأردن «محتار»: كيف تعرقل إسرائيل مشاريع «وادي عربة»: مؤشرات «تقويض» لاتفاقية السلام
مطار «تمناع».. المشروع الياباني وكاريدور السلام والوصاية
تراكم مراكز القرار في الأردن، بغرفتيها البيروقراطية السياسية وتلك العميقة، ملفات التجاوز الإسرائيلي، ليس على صعيد العلاقات الثنائية السيئة جداً فقط، أو على صعيد مخاطر التراجع الحاد في عملية السلام، بل أيضاً – وهذا الأهم – على صعيد دور مباشر وأساسي لحكومة اليمين الإسرائيلي ولأول مرة في «تقويض» منطوق ومضمون اتفاقية وادي عربة، مما جعل منظومة الاتصالات معطلة تماماً على المستوى السياسي والبيروقراطي بين الجانبين، وإن كانت ليست معطلة بعد على صعيد ما تبقى من ما يسمى مؤسسات العمق الإسرائيلي.
الجديد تماماً في المشهد هو أن مظاهر الحوار الكلاسيكية والمألوفة بين المؤسسة الأردنية والإدارة الأمريكية الحالية بخصوص عملية السلام والقضية الفلسطينية معطلة تماماً هي الأخرى بالتوازي مع إحجام دولة مثل السعودية عن استخدام نفوذها الذي يزيد مرحلياً عن نفوذ الأردن لدى الإدارة الأمريكية الحالية في تعزيز عملية السلام، أو تلك المطالب العادلة للشعب الفلسطيني، دون اهتمام أصلاً بالقضية الفلسطينية.
في مقاربات القرار الأردني فإن أولوية السعودية هي إيران واليمن. وتلك أولوية طغت حتى على المألوف السعودي عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وكذلك بوثيقة المبادرة العربية. وعلى نحو أو آخر، شكل الحياد السعودي، في أقل تعديل، عنصر ضغط على الأردن في الوقت الذي بدأ فيه مسلسل تقويض اتفاقية وادي عربة بالمضمون من قبل بنيامين نتنياهو وجاريد كوشنر وطاقمهما. ومؤخراً، انتقل الحوار الأردني الذاتي الصاخب من مستوى تجاهل الإسرائيليين لعملية السلام إلى مستوى الاشتباك مع مصالح وثوابت الدولة الأردنية.
مؤشرات التقويض الإسرائيلي المناكفة للأردنيين رصدت بعناية مؤخراً، حسب القطب البرلماني صالح العرموطي ومعه وقبله حسب رئيس مجلس النواب عاطف طراونة، حيث ينقلب الإسرائيليون بالمستوى الحكومي على بنود اتفاقية وادي عربة وليس على حقوق الشعب الفلسطيني فقط وفقاً لما تحدث فيه مع «القدس العربي» طراونة والعرموطي في أكثر من مناسبة.
اليوم ثمة سجلات لانتهاكات الإسرائيليين لكل قواعد لعبة السلام مع الأردن تحديداً.
سجل الانتهاك الأول بتوقيع مجلس النواب، حيث 15 مخالفة، كما شرح العرموطي، لنصوص ومنطوق اتفاقية وادي عربة، وحيث مذكرة برلمانية هي الأكبر تاريخياً بدأت فعلاً بإجراءات إلغاء اتفاقية الغاز الإسرائيلي.
يعلم طراونة ورفاقه من النواب أن عملية إسقاط لاتفاقية الغاز ولو بتشريع جديد طويلة الأمد وتحتاج إلى عامين على الأقل، قد يشهدان تنفيذ الاتفاقية وتصدير الغاز، ما يبقي هذا الجهد على أهميته في دائرة الموقف أكثر من المستوى الإجرائي. وهو أمر يقدره برلماني عتيق ندد بالاتفاقية قبل الجميع هو النائب خليل عطية، الذي يبادر الآن وسط صمت مريب من الحكومة لتحويل أسئلة دستورية وجهها إلى استجواب دستوري قد يطال حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
في سجل الانتهاكات الثاني، رصد ملاحظات أكثر أهمية وفي موقع القرار العميق والسيادي، حيث أعاقت حكومة اليمين الإسرائيلي العديد من المشاريع التي نتجت عن اتفاقية وادي عربة بكل حال.
الحديث هنا ليس فقط عن مناكفة نتنياهو للقيادة الأردنية في مسألة «الدبلوماسي المجرم» وحادث السفارة الشهير في ضاحية الرابية في العاصمة عمان، بل عن تعطيل إسرائيلي بيروقراطي ومناكف كشف عنه لـ «القدس العربي» وزير المياه الأسبق الدكتور حازم الناصر لمشروع قناة البحرين المائي الاستراتيجي. وعن تعطيل مثله لمشروع «كاريدور» التنمية الشهير، وعن تعطيل ثالث لحيثيات المشروع الممول يابانياً والقاضي بإقامة مطار للشحن في الجانب الأردني من منطقة الأغوار.
مناكفات نتنياهو وصلت إلى حد استفزاز السلطات الأردنية عند توسعة مطار «تمناع» في إيلات بالقرب من العقبة الأردنية وبصورة تهدد سلامة الملاحة في مطار الملك حسين الجوي ودون أدنى احترام للمطار الجار.
مع بعض الاعتقالات، أصبحت العراقيل الإسرائيلية رسالة سلبية تؤكد بأن الغطاء الأمريكي ونظيره المعتاد من العمق الإسرائيلي بعيداً عن القضية الفلسطينية لا يساهمان إطلاقاً في صمود وبقاء اتفاقية وادي عربة، الأمر الذي يشكل تهديداً من الجانب الإسرائيلي لكل مظاهر ومؤشرات العلاقات الثنائية خلافاً لما ينتجه من إحراج شديد. وإضافة إلى الشغب اليميني الإسرائيلي اليومي على الوصاية الهاشمية، يمكن القول بأن الأردني ويمين إسرائيل اليوم في منطقة لا لقاء فيها. وهو تحد كبير تواجهه الدولة الأردنية اليوم وسط ضائقة اقتصادية داخلية وخيارات إقليمية معقدة، ووسط انحسار في موجة تأثير الأردن بعمق معادلة القرار الأردنية وانشغال النظام الرسمي العربي إما بانقساماته الأفقية أو بإشعال المواجهة مع إيران وأظافرها وأذرعها وحساباتها ومصالحها في الإقليم والعمق العربي.