تجاذب بين مدرستين في إدارة اقتصاد الأردن
تبدو ملاحظة أقرب للاختلاف المفترض بين الثقافات والأجيال لكن عند تسييسها قد تكشف عن جوانب مثيرة إلى حد ما.
وزير الداخلية المخضرم وأحد أبرز رموز الحرس القديم سلامة حماد، يعبر عن شعوره ببعض الصعوبة والاغتراب عندما يضطر للتفاعل في مجلس الوزراء مع وزيرة من صنف “الصبية اللي بتعلك”.
طبعا يقصد حماد وزيرة السياحة مجد شويكة التي ينشغل القوم بين الحين والآخر بحضورها وأناقتها واقتراحاتها من خارج الصندوق.
لا يتعلق الأمر بضغينة شخصية طبعا، لكن بيروقراطيا عتيقا وعنيدا ورجل هيبة بامتياز من وزن الوزير حماد لا يبدو مرتاحا لجزئية “العلكة” في اجتماعات مجلس الوزراء. طبعا ثمة من سيشاركه في مشاعره بالجملة لكن آخر النهار أو في الحلقة الأخيرة يقود حكومة الأردن أشخاص مطلوب منهم التنوع والتعدد.
تلك قيمة تظهر جانبا حضاريا في جزئية التنوع عند الحكومة لكنها تعكس بالوقت نفسه غياب الكيمياء بين أجنحة وأطقم الفريق الوزاري خصوصا في حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز، حيث يفلت منها الآن برنامجها المرحلي الأساسي وسط حالة مرتبكة وهو الاتجاه الضريبي.
لا يقتصر الأمر على علكة وزيرة السياحة، فحماد ورئيسه الرزاز ينتميان إلى مدرستين مختلفتين تماما وثمة في الأفق السياسي المحلي من يعيد قراءة نصوص منشورة باسم الرزاز نفسه قبل سنوات يتحدث فيها عن بعض ما رصده في طفولته عندما كان والده الراحل منيف الرزاز معارضا شرسا وسجينا ومنفيا خلال فترة التصادم مع الدولة والنظام في الأردن.
طبعا تلك أوراق من الماضي اليوم يتستر عليها الجميع تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والحاجة للتفاهم مع صندوق النقد الدولي، لكنها تطل برأسها بين الحين والآخر في اتجاهين الأول عندما يرصد المزيد من غياب الكيمياء بين أعضاء مجلس الوزراء، والثاني عندما يتعلق الأمر بصراع من الصعب إنكاره يتجذر ويعود بين الحين والآخر بين مدرستين في إدارة أزمات الأردن الأولى ليبرالية والثانية محافظة.
وهنا قصة أخرى في الصراع القابل للتجاذب دوما.
لكن الأهم ان الانسجام يغيب أيضا في كيمياء التواصل داخل الطاقم الوزاري الاقتصادي، فما يبدو عليه الأمر بين رئيس الطاقم الدكتور رجائي المعشر ووزير التخطيط النجم الدكتور محمد العسعس مرصود وبوضوح ولا ينتج انطباعا بأن القطبين في المسألة الاقتصادية يتحدثان باللهجة واللغة نفسها في الوقت الذي يتحدث فيه وزير المالية عز الدين كناكريه بلغة لم يعد يفهمها أحد.
لكنه مضطر حسب زميل له تحدث لـ”القدس العربي” لهذا الأداء. يقدم الوزير كناكريه يوميا دليلا على غربته في كيمياء التواصل وهو يصر في كل الاجتماعات على ان مسؤوليته رقمية وتنحصر في توفير المال للخزينة وتحديد كيف ينفق. أما الأزمة والتداعيات والمخاطر والحسابات السياسية فلا تخصه من قريب أو بعيد.
يقول كناكريه ذلك لزملاء من دون أن يرجف جفنه، ويقوله رئيسه المعشر لكن بلهجة أخف في المسار السياسي، وعندما تعلق الأمر بقانون الانتخاب تحديدا وجد مثلا وزير الثقافة والشباب الدكتور محمد أبو رمان نفسه تماما في حالة يتم بيروقراطي وسياسي عندما وضع بتنسيق مع الرزاز وثيقة أولية لدرب محتمل بعنوان الإصلاح السياسي.
هنا حتى من أفترض أبو رمان انهم يشبهونه سياسيا على الأقل أو في جزئية الإصلاح السياسي من زملائه الوزراء يتخندقون في الاتجاه المعاكس في مؤشر أكبر وأخطر وأهم على أن الكيمياء في جسد مجلس الوزراء أقل بكثير من الحجم المفترض والمنطقي أو ذلك الذي تحتاجه الحكومة في مرحلة صعبة ومعقدة.
الكيمياء بين الوزراء لم تكن يوما منطلقا للعمل الجماعي ولا تعبيرا عن مشكلة من أي نوع بقدر ما كانت محفزا للعمل اليومي في الوقت الذي يعمل فيه مهندسون خبراء في الدولة العميقة تحت إشراف التوجيهات المرجعية على مساحتي الأمن والعلاقات الدولية والإقليمية.
لكن عندما يصيب العطب العلاقات الدولية وينكشف الظهر والظهير الإقليمي وتتضخم الأزمة الاقتصادية تصبح تلك الكيمياء ضرورة وطنية وبيروقراطية ملحة جدا.
وهنا قد لا تملك حكومة الأردن ترف الإفلات من مطب الكيمياء. وما يبدو عليه الأمر الآن أن الرزاز يحاول اختبار خطوة الهروب للأمام عبر آلية التعديل الوزاري هل يحصل على ذلك؟