تزاحم في “الإفتاء” السياسي الأردني: تفويض باللعب المنفرد للرزاز أم “جمعة مشمشية”؟
:إطلاق يد رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز بيروقراطيا وسياسيا وإلى أبعد حد ممكن وبغطاء ملكي أردني مرجعي، قد لا يكون أكثر من مجرد “جمعة مشمشية” إذا ما أفلتت المفاصل من الرزاز وطاقمه وفاتت فرصة التصويب والتعديل واقناع مركز القرار بضرورة البقاء.
خلافا لكل الانطباعات التي توحي في الواقع السياسي الأردني بأن حكومة الرزاز “باقية وقد تتمدد” ثمة سيناريو تحتفظ به مراكز القوى المعنية لترحيل الحكومة أو بعنوان الاضطرار في أي لحظة مع العام الجديد 2020 لسيناريو التغيير الوزاري.
وجود مثل هذا السيناريو لا ينتقص من صلاحيات حكومة الرزاز والتي تطلب مشروع الموازنة المالية إطالة عمرها قليلا مع نهايات الصيف الماضي.
بعد التعديل الوزاري الرابع والأخير على الحكومة، أطلقت يد وحركة رئيس الوزراء وصدرت تعليمات بأن لا تخضع حكومته للمزاحمة وتترك حتى تكمل برنامجها وحيدة في الميدان وبدون تدخل من هنا أو هناك.
طلب الرزاز مشتكيا مثل هذا التفويض مرات عدة ومارسه في التعديل الوزاري الأخير حيث قرر منفردا وبصفة شخصية من يغادر ومن يدخل من أعضاء الطاقم الوزاري.
فرصة لإصلاح حقيقي
الميدان السياسي والبيروقراطي مفتوح تماما أمام الرزاز ورجاله بتفويض لم يحصل عليه سابقا أي رئيس لحكومة وبدعم أكيد من المؤسسات المالية للدولة ومن المجتمع الدبلوماسي الغربي الذي يرى في حكومة الرزاز فرصة لا بد من تمكينها لإنجاز أولا إصلاح حقيقي. وثانيا للتمهيد للانتقال إلى مستويات متقدمة في مجال الشفافية المالية وتمدين أو مدنية الدولة.
مثل هذا الحظ السياسي لم يحظ به آخرون والرزاز يقود المشهد حكوميا لوحده الآن.
لكن ما لا يعرفه بعض أركان طاقمه الوزاري هو وجود مساحة أقرب لفرصة أخيرة وعمل رئاسي وحكومي مستقل بدون التأثيرات والتدخلات الكلاسيكية لكنه مرتبط بسقف زمني على الأرجح وسط قناعة مرجحة بأن قواعد لعبة ترحيل الحكومة والبرلمان معا لا تزال صامدة.
وقواعد الاصرار على رؤية قد تنتهي بحكومة أغلبية برلمانية لا تزال تحت الاختبار القوي والعميق.
بمعنى آخر التفويض الذي حصلت عليه حكومة الرزاز ملكيا ومرجعيا له حدود وليس مطلقا وقد يقصر سقفه الزمني في أي وقت يقدر فيه صاحب القرار بأن لحظة التغيير الوزاري حانت خصوصا وأن الرزاز لم يكن مقنعا للخريطة السياسية والنخبوية في تعديله الوزاري الأخير وجازف بمجموعة من الكفاءات الشابة ومنحها الأفضلية من خارج نادي وبورصة الأسماء التقليدية في الوقت الذي تتحمل فيه المؤسسة الأمنية بصمت وبهدوء تداعيات ونتائج وكلفة أي قرار حكومي.
في كل حال تبدو لعبة السقف الزمني مفتوحة على الاحتمالات لأن ما يرشح من خندق الرزاز والمقربون منه إشارات واضحة على أن الرجل لم يعد يطمح كما كان عليه الأمر قبل عامين بسنتين فقط في الحكم والإدارة، بل لديه طموح مشروع ما دام مقبول دوليا ولا يهتف الشارع الشعبي ضد اسمه بتجاوز السنوات الأربع.
لا بل لدى المقربين من رئيس الوزراء الأردني اليوم طموح بتغيير القطاع العام وتحديث نظام الخدمات العامة.
والأهم طموح بالبقاء لفترة أطول حتى تتمكن حكومة الرزاز من إنتاج بصمة خاصة وتاريخية على ملف الانتخابات من حيث القانون والإشراف على إجرائها ما دام الاستحقاق الانتخابي مقبل لا محالة مع نهاية الصيف الحالي.
الرجل الأقوى
ثمة من يوحي من الوزراء بأنه الرجل الأقوى اليوم في الدولة وبأن استمرار إصلاحات البرنامج الاقتصادي يتطلب رفع السقف الزمني للحكومة وقد يتطلب لاحقا تمديد ولاية البرلمان أو حتى تأجيل الانتخابات ضمن خطوة تمهيدية في مشروع تشكيل حكومة أغلبية برلمانية.
زحام ملموس يرصده أي ملاحظ أو مراقب اليوم للمشهد الأردني في المنطقة المتعلقة بعدد من يمارسون الافتاء أو يتحدثون بين الحين والآخر باسم الدولة تلك العميقة وشقيقتها التي على السطح.
في الأثناء يمارس الرزاز هوايته في التجديف ويكسب المزيد من الخصوم في الواقع النخبوي وتزيد صفحات الغربة بينه وبين الشارع ولا يبدو مهتما بالفكرة التي قفزت به رئيسا للحكومة أصلا وهي تمدين الدولة.
لكن الانقضاض على التجربة والمشروع ممكن بالتوازي مع متغيرات إقليمية حتمية يفترض أن المملكة تستعد لها مع نهاية شهر شباط/فبراير المقبل.
هنا تحديدا الزاوية ضيقة جدا وقد لا تتسع لبهلوانيات الحكومة أو رشاقة مبادرات رموزها ما يعني عمليا بأن التفويض قد لا يكون مطلقا زمنيا وبأن جمعة الحكومة لطيفة الآن لكنها وفي غضون أسابيع قد تكون قليلة مشمشية بالمعنى السلبي.