شبهة التورط بـ «تطهير عرقي»: هل يتجه الأردن نحو تجريم التهجير و«دسترة» التصدي له؟
عمان- «القدس العربي»:اصطاد الفقيه والخبير الأردني الدكتور ليث نصراوين، عدة عصافير سياسية بحجر واحد عندما اقترح فجأة، ظهر الخميس، الاتجاه تشريعياً ووطنياً نحو ما سماه بقوننة آليات تشريعية وطنية تؤدي لتعزيز الموقف السياسي للقيادة بالدولة ضد مخططات التهجير من الضفة الغربية وغزة إلى المملكة.
يضع نصراوين في اقتراحه المثير الذي يعبر عن سابقة في الاجتهاد الدستوري، الكرة فجأة في مرمى 3 جبهات على الأقل، أكثرت من الخطاب السياسي في سلطة التشريع، وهي حصراً: رئاسة مجلس النواب ومكتبه الدائم، ثم مجلس الأعيان بكامل أعضائه، وكتلة نواب جبهة العمل الإسلامي المعارضة.
تلك الجبهات الثلاث في سلطة التشريع، أصدرت العديد من البيانات لدعم الموقف الرسمي للدولة الأردنية في مواجهة مقترحات الرئيس دونالد ترامب التهجيرية، لكن ما يقترحه نصراوين باختصار هو مغادرة الإنشائيات والبيانات باتجاه مشروعية دستورية جديدة، فكرتها القيام بالواجب عبر إصدار تشريعات تتضمن تجريم وتحريم قبول التهجير أو مساندته عبر التقدم باقتراحات قوانين لا تحظر التهجير فقط بل تحظر القبول به.
في الأثناء وفي التفاصيل إشارات غير مفهومة في ذلك المقترح الذي يشكل سابقة سياسية ودستورية عن تصنيف القبول بالتهجير باعتباره خيانة، وأخرى لها علاقة بتكريس مبدأ سيادة القانون وبتحصين القرار السياسي للبلاد عبر استعارة ما يفعله الكنيست الإسرائيلي وهو يصدر عدة تشريعات.
لم يعرف بعد ما إذا كانت سلطة البرلمان بمجلسيه العيني والنيابي، ستستقبل تلك الكرة التي ألقى بها الدكتور نصراوين، وهو خبير دستوري وقانوني من الشخصيات التي يعتد بها ويعتمد عليها حتى في اتجاهات وتوجهات ومشاريع البوصلة الرسمية.
ولم يعرف بعد الخلفية في الفضاء الرسمي التي طرح بموجبها الخبير نصراوين فكرته عندما ألقاها لتحريك مياه راكدة، خصوصاً أنه مع بقية المراقبين جميعاً يعلمون مسبقاً بأن إصدار تشريعات قوية من هذا الصنف يحتاج إلى غطاء سياسي، فيما الاقتراح بين يدي رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الذي استخدم لغة صارمة عندما قال إن الأردن سيتصدى للتهجير.
والاقتراح ذاته بين يدي كتلة الأغلبية الإسلامية، التي كانت في وقت مبكر قد أعلنت عن تقديم مشروع اقتراح بقانون يلغي اتفاقية وادي عربة، وهي صيغة يختلف معها في هذه المرحلة الخبير البارز في القوانين الدولية الدكتور أنيس القاسم؛ لأن وجهة نظره تقضي بوجود نص صريح في اتفاقية وادي عربة يمكن استخدامه وتأصيله على أساس ردع إسرائيل إذا ما قررت الإخلال بالمعاهدة.
أبلغ القاسم «القدس العربي» مباشرة أن النص الذي يمنع طرفي المعاهدة من تحريك السكان بشكل قسري يؤثر سلباً على أحد الطرفين مفيد، في هذه المرحلة بالوقاية والردع، فيما ترك الإسلاميون ملف التهجير نفسه وركزوا تشريعياً على سياق يعيد الأردن إلى مرحلة ما قبل اتفاقية وادي عربة.
ولوحظ في السياق أن المرافعة التي يقترحها نصراوين تضمنت إشارات تحذر ليس فقط من غياب تعديلات قانونية تمنع الوزراء والمسؤولين من ارتكاب جرم الموافقة على التهجير، ولكن أيضاً وجود خشية من التورط حكومياً بتهمة التطهير العرقي؛ لأنها أول محطة تقابل الجهة التي ترتكب جريمة التهجير.
وهذه الخلاصة القانونية يتفق معها الدكتور القاسم أيضاً وهو يشرح بأن تنفيذ التهجير والدعوة له، هي بداية حرب الإبادة وينطوي على ارتكاب مباشر لجريمة التطهير العرقي.
يحذر القاسم الحكومة الأردنية مجدداً بأن من يوافق على التهجير أو يشجعه يصبح شريكاً في الجريمة، ويشير إلى سوابق قانونية انتهت بقرارات تعتبر تهجير السكان من أنواع جريمة الإبادة والتطهير، وبين تلك السوابق غامبيا ومينامار وصربيا والبوسنة.
الأهم أن ما يقترحه خبيران من وزن القاسم ونصراوين، يشكل فرصة لدى سلطة التشريع الأردنية بغرفتيها المنتخبة والمعينة، للاتجاه نحو خطوات إجرائية عميقة جداً في الواقع التشريعي تسهم في دعم وإسناد قرار القيادة واستقلالية القرار السياسي الأردني، فيما لا يمكن بعد معرفة المسافة التي قد تقطعها سلطة التشريع الأردنية باتجاه تجريم قبول التهجير بعد الآن في ظل إدارة التوازنات بصورة حكيمة وخبيرة وعميقة تقلص المخاطر.
تفضل مؤسسات القرار تحصين الدولة بغطاء لموقف عربي كما حصل في اجتماع القاهرة السداسي، وتفضل الامتناع عن تحويل العمل ضد خطط التهجير إلى مستويات الشارع ثم الانصراف للتركيز على مواقف المجتمع الدولي والتفاوض خلف الستائر مع الأمريكيين لإجهاض مقترحات الرئيس ترامب التي وصفت بأنها لا تبدو واقعية.
وهنا برزت خلال الساعات القليلة الماضية مداخلة مهمة في عمان للسياسي والدبلوماسي المصري البارز الدكتور عمرو موسى، الذي استضافه منتدى الحموري الثقافي وسط نخبة عريضة من الشخصيات السياسية الرفيعة في ندوة خاصة حضرتها «القدس العربي» وخطف الميكروفون فيها ملف التهجير، وهو ما يظهر شغف النخب السياسية في عمان والقاهرة بالتأسيس لمقاربات في الاتجاه المعاكس.
ما لاحظه المتابعون أن موسى وصف القبول بخطط ترامب التهجيرية بـ «موافقة على إنهاء القضية الفلسطينية»، معتبراً أن ذلك لم يحصل ولن يحصل، ثم أشار إلى أن حصوله تحت أي ظرف سيعتبره شخصياً من علامات الساعة.
طبعاً، الدبلوماسي المصري المخضرم قدم اقتراحات في المناولة والاشتباك الدبلوماسي، عنوانها التحاور مع الرئيس ترامب وإقناعه بأن ما يطرحه غير معقول وغير منطقي ولا يمكن تنفيذه.
وهذا التقدير يعكس عملياً انطباعات السياسيين في الأردن ومصر المقربين من السلطات في البلدين، فيما مقاربات التشريع التي يقترحها نصراوين تبدو تصعيدية وإن كانت تعكس -وهذا الأهم- تلمس النخب الأردنية الرسمية والأهلية لصعوبة تمرير ملف التهجير بأي صيغة في عمق المجتمع الأردني.