عبارات تتردد فجأة في الأردن: «عصيان مدني» و«الرزاز كبش فداء» وإخراج «الإخواني والمدني» من الخريطة
حراكات الأطراف تلوّح بتعميق الأزمة وتركب موجة «المعلمين»
: لا توجد أي قرائن حتى مساء الأربعاء تفيد بأن الأزمة التي ترتدي ثوب المعلمين في بلد كالأردن في طريقها للاحتواء بالبعد الوطني وسط حيرة وارتباك كل الاطراف في المملكة ابتداءً من مؤسسات القرار وانتهاءً بالشارع ومروراً بكل حال بالعبارة التي بدأت تتردد بكثرة على ألسنة كبار المختصين والسياسيين بعنوان «البلاد في طريقها لعصيان مدني».
اللحظة التي توقن فيها دوائر القرار المركزية بان أول عصيان مدني مربك في طريقه للتدحرج فعلاً سيلجأ القرار على الأرجح للوصفة الكلاسيكية المألوفة والمتمثلة في إسقاط وإقالة حكومة الدكتور الرئيس عمر الرزاز بعد اتهامها شعبوياً ونخبوياً بالتأزيم وإخراجها من الحلبة.
يعني ذلك ببساطة أن مستويات القرار تحتفظ بالورقة البديلة بالرغم مما يظهر على الدكتور الرزاز من ملامح «الاطمئنان المبالغ فيه» وهي عبارة مخففة عن الاحساس العام بان الرزاز وحكومته فقدا هوامش المناورة والمبادرة.
العودة إلى صيغة «كبش فداء» في حال ترحيل الحكومة ينبغي ان ترافقها صيغة اخرى موازية بعنوان تقديم شيء لطبقة المعلمين عجزت الحكومة القائمة عن تقديمه وسط ذهول الجميع. ولسبب او لآخر ثمة ما يدفع إلى الاعتقاد بأن العمل على إخراج حكومة الرزاز ومعها أي مستقبل سياسي للتيار المدني ولطبقة المفكرين المثقفين كان هدفاً موضعياً لعدة جبهات ومراكز قوى طوال الوقت مما يعيد أصحاب الوصفات الكلاسيكية الذين يطمئن لهم الجميع إلى المشهد وينهي تجربة ما يسمى في الكواليس بـ»حكومة الدوار الرابع» وتمثيلها المدني الرمزي في الواقع بضربة واحدة والى الابد.
تلك محطة مغرقة في الخبث والدهاء لكنها بالنسبة لأحد اقرب المقربين من الرزاز استمعت إليه «القدس العربي» وصفة أصبحت جاهزة استغلت فيها طبقة وشريحة المعلمين بدون وجود أدلة على ان ثوابت الدولة ومؤسساتها هي التي تستفيد في النهاية.
لكن الفائدة هنا ليست محققة لأن أطرافاً عدة في المجتمع غاضبة او محتقنة او في طريقها دوماً لركوب موجة أزمة إضراب المعلمين وبصيغة لا ينفع معها تكتيك المربع النافذ في القرار المؤمن اليوم باستثمار الازمة نفسها ضد الاخوان المسلمين حصرياً عبر شيطنتهم واتهامهم والحرص على جمع ادلة وتسجيلات ورسائل مفترضة تحمّلهم مسؤولية التأزيم في قضية نقابة المعلمين.
الفرضية هنا تحيك سيناريو مجازفاً وغير مسبوق قوامه ضرب عصفورين خصمين بحجر واحد وهما التيار المدني وحكومته «العاجزة الفاشلة» وجماعة الإخوان المسلمين التي تحضر بكثافة لوجبة الانتخابات العامة المقبلة. وقد ينجح هذا التكتيك في التخلص من خصمين هما التيار المدني والإسلامي بعد الشكوك بحصول نشاط متفاعل يرغب بالتشبيك بينهما ولأول مرة في تاريخ المملكة.
لكن المجازفة هنا بحجم أكبر سياسياً من احتمالات السيطرة والتحكم بالتفاصيل لان شريحة المعلمين المظلومة وجدت نفسها عالقة بهذا النمط من الاستثمار الغامض للأطراف الفاعلة. ولان المعارضة خصوصاً في شكلها الريفي والحراكي خالية من التسييس والآيديولوجيا بمعنى أنها يمكن ان تكون عبثية او تطرح شعاراً او هتافات عدمية لا يؤمن بما تقوله الحكومة عن الأزمة المالية الخانقة للخزينة ولا يرى إلا أن صورة الدولة الراشدة الشفافة تتراجع.
وهو ما أقر به أصلاً ومنذ أشهر تقرير استراتيجي عميق جداً سجل ببصمات المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للحكومة. وأيضاً لان – وهذا الأهم – خدمات القطاع العام للمواطنين تتراجع والسيطرة لم تعد مضمونة على البنية الاجتماعية العريضة التي تساند رواية الصف الرسمي لمسار الأحداث دوماً لا في الاطراف والمحافظات فقط ولكن في البنية القبلية والعشائرية وفي المدن الكبرى ايضاً. وقد تجلى ذلك ليس فقط بظهور حاضنة اجتماعية صلبة متعاطفة مع المعلمين، لكن أيضاً بفشل ذريع جداً في المسار المتعلق باستقطاب آراء يعتد بها لصالح روايات السلطة وهو إخفاق رصد مؤخراً بالجملة على صعيد طبقات متعددة من بينها قادة الإعلام والرأي العام وقادة النقابات المهنية وكذلك رؤساء الوزارات السابقون ونخب البرلمان والدولة.
لم يتقدم لصالح رواية الحكومة في أزمة المعلمين أي شخصية يعتد بها لا في الشارع ولا في الأوساط الاعلامي والسياسية. وعندما جربت الحكومة الاستعانة بالنقابات المهنية حصل انقسام حاد واحتجت الهيئات على النقباء الذين خالفوا مزاج الشارع. وفي لحظة الاشتباك لم تجد السلطات إلا طبقة صغيرة بائسة من الإعلاميين ساهمت في توتير المناخ وإشعال مشاعر الجو العام اكثر بكثير من مساهمتها في تسويق الرواية المضادة لنقابة المعلمين.
هذا برمته وضع غير مسبوق ومن الطبيعي الاعتقاد بأن شخصاً واحداً قد يدفع ثمنه قريباً وهو الرئيس «المثقف والاستراتيجي» الدكتور عمر الرزاز الذي يخوض المواجهة مع نقابة المعلمين تحت الأضواء وقوى الأمر الواقع خلف الستارة وحيدًا تمامًا وبدون حلفاء اقوياء وبطاقم وزاري منقسم على اربعة أجنحة وبمشاعر اطمئنان غير مفهومة