آخر نصائح «المؤسسات المانحة» للأردن: لا يوجد لديكم «طاقم اقتصادي حقيقي»… و «عليكم العمل أيضاً»
رسالة بعثة بها صندوق النقد الدولي الأخيرة خلال اليومين الماضيين إلى الحكومة الأردنية كانت عملياً أكثر من واضحة ومختصرة وتصل إلى الاستنتاج النهائي بسرعة: «باختصار ومن الآخر لا يوجد لديكم طاقم اقتصادي حقيقي».
وصلت الملاحظة إلى رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وإلى نائبه الذي يترأس الطاقم الاقتصادي الوزاري أصلاً الدكتور رجائي المعشر. وبطبيعة الحال، وصلت بالنتيجة إلى الوزراء الأقل أهمية، ومحافظ البنك المركزي المخضرم الدكتور زياد فريز.
في الشروح ثمة ما هو مثير في تلك الملاحظات التي سمعها الطاقم الموجود، وإن كان قليل الحيلة والإمكانات، على شكل نصيحة تضمنت بعض الاستفزاز من بعثة المراجعة والتقييم الأخيرة وبعد الانتهاء من ورشة تقييم الخطوات التالية في المواجهة الاشتباكية والتفصيلية مع البنك الدولي وصندوق النقد إثر ما سمي بأكبر قرض عالج المشكلة المالية الطارئة للخزينة الأردنية.
بعد أضخم قرض… عملية التدقيق في إمكانات الفريق بدأت
قبل نحو خمسة أسابيع قاد رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وفداً مفاوضاً قابل قيادات البنك الدولي في واشنطن. ولأسباب لا تزال غامضة، تم إهداء الرزاز بعض التسهيلات وعولجت مشكلته الطارئة اليوم بقرض هو الأضخم في تاريخ العلاقة بين المملكة والبنك الدولي وبقيمة تصل إلى مليار وربعه من الدولارات.
وقتها أطلق كل أصناف الاحتفال والبهجة برفقة وزير ماليته عز الدين كناكريه بما أنجز في واشنطن، فيما مال رموز الحرس القديم للهمس والغمز واللمز بافتعال سيناريو يتحدث عن تسهيلات خاصة منحت للرزاز باعتباره قريباً من وصفات المجتمع الغربي المانح وانطلاقاً من التشكيك بوجود أجندة سياسية مخفية.
مثل هذا التشكيك موسمي ومعتاد بأي شخصية يتم تكليفها بحكومة أو تحظى بدور من خارج علبة الحرس القديم. وهو تشكيك لا يقدم ولا يؤخر عندما يتعلق الأمر بالوقائع الرقمية على الأرض. وبكل حال، وبعد الاحتفال بأضخم قرض، أعلن الوزير كناكريه أن وفداً يمثل المؤسسات الدولية سيزور عمان للمراجعة والتقييم.
تلك الملاحظة الناقدة وصلت الأردنيين بالتزامن عندما نصحتهم بالعمل قبل كل شيء على وجود طاقم وزاري واقتصادي حقيقي في الحكومة حتى تنجح تفاصيل بقية المفاوضات والترتيبات.
بدت نصيحة تشكيكية وغريبة، فرئيس الوزراء ونائبه بخلفية اقتصادية وبعض الأردنيين الموجودين بصفة خبراء كبار في البنك الدولي همسوا سابقاً في أذن الرزاز مقترحين بأن الخلفية الاقتصادية لا تكفي عند رئيس الحكومة ونائبه لإدارة تفاصيل مغرقة في التعقيد.
وهدف التشكيك هنا في أداء الطاقم الاقتصادي قد لا يكون له علاقة برئيس الوزراء أو بإشراف نائبه على الملفات المحلية. ويعتقد مراقبون عميقون في المقابل بأن الرئيس الرزاز يبالغ في قدرات وزيرة التخطيط الحالية في حكومته، الدكتورة ماري قعوار، وثمة من قال في واشنطن من أبناء البنك الدولي الأردنيين بأن الوزيرة قعوار إنسانة راقية، لكن ليس أكثر من ذلك عندما يتعلق الأمر بالإدارة الحصيفة للبيانات والأرقام.
حاول الرزاز ترقيع المسألة بعد واشنطن بتعيين خبيرة متقدمة في مجال التخطيط المالي لمساعدة وزيرته التي لا تتحدث للرأي العام أو الإعلام ولا تظهر بقوة في اشتباكات البرلمان.
النصائح النقدية نفسها حاولت لفت النظر إلى أن وجود وزير صناعة وتجارة حقيقي في الفريق والحكومة من شأنه المساندة في رفع نسبة النمو الاقتصادي فعلاً، ويعني ذلك أن وزير الصناعة والتجارة الشاب والديناميكي الحالي طارق الحموري، وباعتباره ذا خلفية قانونية محضة، قد لا يكون في موقعه المناسب.
تلك أيضاً ملاحظة يحاول الرزاز والمعشر الإيحاء بعدم الإصغاء إليها، لأن مقتضيات وجود الحموري أصلاً لها علاقة بالمحاصصة المناطقية وبرغبة دوائر القرار في استقطاب أو إدراج أو إسكات والده الفقيه الدستوري الكبير الدكتور محمد الحموري، وليس له علاقة بالواجبات الفنية والمهنية التي يتحدث عنها البنك الدولي.
يبدو أن جبهات الضعف المهني والأدائي عندما يتعلق الأمر بحديث صندوق النقد عن ضرورة وجود طاقم اقتصادي حقيقي غير ممتثل يبادر ويشتغل على النمو الاقتصادي لا يشمل وزارتي التخطيط والصناعة والتجارة فقط، فوزير المالية أيضاً الدكتور عز الدين كناكريه يلتزم بواجبات المحاسب المالي ويفاجئ خبراء صندوق النقد بعدم وجود تفكير في الإدارة المالية في مؤسسة الحكومة الأردنية.
عملياً، السؤال هو ما الذي يمكن لرجل من وزن الدكتور رجائي المعشر تقديمه في ظل هذه الجبهة الوزارية التي تمثل المحاصصة وخيارات الرزاز فقط، خصوصاً أن مهام وواجبات المعشر أكثر بكثير ومختلفة ومعقدة وليس من بينها التفاوض مع البنك الدولي، بدلالة أن زيارة واشنطن وأضخم قرض لم يلتحق بعملياتهما نائب رئيس الوزراء.
ما يقوله ضمناً وتلميحاً وتصريحاً المسؤولون في البنك الدولي لرجالات حكومة الرزاز اليوم هو أن عملية توجيه اللوم والنقد فقط لصندوق النقد غير كافية، وأن المطلوب وجود طاقم اقتصادي حقيقي وعملياتي قادر على إقناع المستثمرين ورفع نسبة النمو بعيداً عن تلك التوازنات الاجتماعية التي يرى البنك الدولي أحياناً أنها سخيفة وبكل الأوقات أنها لا تعنيه. تلك كانت باختصار آخر رسائل بعثة المانحين الدوليين للأردنيين.