أموال بن سلمان وتكامل اقتصادي مع العراق وعلاقات أفضل مع دمشق بدون طهران
يسجل سفير إيران في عمان، محبتي فردوسي، ثلاث ملاحظات أساسية وهو يستعد لحزم حقائبه عائداً إلى بلاده بعد قرب انتهاء فترته.
الملاحظة الأولى تلك التي تكرس وتؤكد الاستغراب الشديد من الإصرار على عدم تسمية سفير أردني جديد في طهران.
نصائح «السفير الإيراني» الوداعية «بتجنب 3 أوهام» في الأردن
السفير فردوسي يتصور هنا بأن بعض الأردنيين واهمون إذا ما اعتقدوا في أي لحظة بأن البقاء في حالة سحب السفير الأردني وعدم تسمية بديل عنه سينتهي بضخ ملايين سعودية لصالح الاستثمار والاقتصاد الأردني.
تقريباً، وبصورة حازمة، لدى فردوسي قناعة تامة بأن الأمير محمد بن سلمان لن يدفع شيئاً للأردن ولن يقدم المساعدة. تلك بكل حال مسألة بدأت تقر بها حتى مؤسسات القرار الأردنية، ولا يكتشف السفير الإيراني سراً نووياً في هذا السياق، وإن كان يربط المسألة بما يتصور أنه مصلحة مباشرة بين تيار الأمير بن سلمان واليمين الإسرائيلي في إبقاء الأردن ضعيفاً ومشغولاً بمشكلاته الاقتصادية والمالية.
وهو يجهز حقائبه تمهيداً للمغادرة، نصح فردوسي صديقين له في مجلس النواب الأردني، مشيراً إلى أن الوهم يحيط بمن يعتقد في دوائر السياسة والقرار الأردنية بأن العلاقات الأردنية السورية يمكنها أن تتفاعل وتعود بقوة مع الاستمرار في عزل العلاقات مع بلاده، مقترحاً أن يبدأ الأردن التفكير جدياً بمصالحه مع محور المقاومة كما يصفه على اعتبار أنه محور الحزمة الواحدة.
وعلى اعتبار أن المحور المعاكس، وهو السعودي، شبك يديه باليمين الإسرائيلي واسترسل مندفعاً يستهدف الجميع، على أساس أن الأردن ينبغي أن ينتبه لمصالحه أكثر خصوصاً في العراق وسوريا.
كانت تلك الملاحظة الثانية الوداعية المبنية على الاستغراب عند السفير الذي يستعد لتسليم مهامه إلى دبلوماسي أقل رتبة بمستوى القائم بالأعمال. وتلك ملاحظة تنطوي أيضاً على إنكار لأسباب مخاوف الأردنيين من الأداء الإيراني المتقلب معهم بالرغم من المجاملات التي طفت على السطح مؤخراً بين البلدين، حيث خفف اللوبي الإيراني في العراق من ضغطه على المصالح المشتركة بين عمان وبغداد.
وحيث أصر الملك عبد الله الثاني عشية مؤتمر وارسو على أن الأولوية ينبغي أن لا تكون لفتح جبهة صراع مع إيران بقدر ما ينبغي أن تعود البوصلة فيه إلى عملية السلام والقضية الفلسطينية.
هنا حصرياً تبرز الملاحظة الوداعية الثالثة للسفير النشط الذي لا يكل ولا يمل وهو يحاور ويناور متحدثاً باللغة العربية والإنكليزية وبالفارسية وهو يحاول الاختراق على الجبهة الداخلية..
فردوسي يقدم النصيحة الثالثة وهو يلفت النظر مجدداً إلى إنتاج وهم إضافي في عمق الحالة الأردنية إذا ما فهمت عمان لحظة بأن اتفاقياتها الـ 15 الموقعة مع حكومة بغداد ستدخل فعلاً حيز التنفيذ، في الوقت الذي يستمر الأردن فيه بمقاطعة إيران دبلوماسياً.
تلك فرضية ساقطة حكماً في تقدير فردوسي بالرغم من أن حجم الاحتفاء الأردني بما أنتج وأنجز مع العراقيين في الأسابيع الأربعة الماضية يوحي ضمنياً بأن الأمور مع اللوبي المناصر لإيران في العراق تحديداً خضعت للهندسة. وبهذا المعنى تصبح نصيحة فردوسي رسالة تحذير لدبلوماسي نشط ومحنك صبر كثيراً على عزلته في العاصمة الأردنية ورفض جميع المسؤولين التحدث معه طوال أربع سنوات، كما اشتكى مباشرة لرئيس مجلس النواب عاطف طراونة.
يدلي السفير الإيراني بهذه الملاحظات وقد شارفت وظيفته في عمان على الانتهاء، متأملاً أن يتطور ظرف موضوعي يسمح للخارجية الأردنية بالإفراج عن قرارها بخصوص تسمية طهران لسفير جديد لا تزال عمان ترفض المصادقة عليه وترفض الكشف عن الأسباب وفقاً للعرف الدبلوماسي أيضاً.
في كل حال، يعني ذلك إجرائياً بأن العلاقة مع إيران ما زالت في طور الملف الأمني، ومستوى الارتياب فيها متواصل ولم يصل بعد إلى الملف السياسي الذي تقاس فيه الأمور طبعاً بمعايير مختلفة، ما يظهر بأن عمان لا تزال معنية بالحذر الشديد من مؤشرات الانفتاح الإيراني عليها بالرغم من المواقف التي أظهرتها مؤخراً بخصوص الاعتراض على التصعيد مع إيران في وارسو. لافت جداً النظر في السياق أن السفير الذي سيغادر الأردن قريباً يضع بلاده في موقع الاستحكام والتأثير العميق بمسار ونهايات العلاقة الأردنية السورية. ويحصل ذلك رغم التقاط العاصمة الأردنية لعدة رسائل من نظيرتها السورية بعنوان التطمين على أن طهران خارج معادلة التأثير، وعلى أن النفوذ الإيراني في سوريا أصلاً أصبح من أكبر الأعباء.