«أين أنت يا قتيبة؟».. 45% من الأردنيين عالقون في رومانسية «الهجرة»
الأعلى في عهد حكومة الدكتور الرزاز… وفي المرتبة الثانية بعد السودان
يمكن لأي ناشط أو حراكي أو مراقب للحالة الأردنية هذه الأيام أن يستذكر أول عبارة علنية ارتبطت باسم رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز في شهر أيار العام الماضي، عندما خاطب شاباً يدعى قتيبة سأل على «تويتر» عن نوايا الهجرة قائلاً: «لا تهاجر يا قتيبة».
هذا الاستذكار في حد ذاته قد يكون محطة سياسية مهمة لكي يفهم الرزاز نفسه أولويات الشارع وما الذي يفكر به الناس عندما تصدم دراسة لأم الجامعات الحكومية كل أصحاب القرار بمفاجأة من الوزن الثقيل رقمياً ووطنياً تقول بأن ما نسبته 45 % من الأردنيين «فكروا أو يفكرون في الهجرة من المملكة».
في الحيثيات الرقمية تضاعف عدد من فكروا بالهجرة مرة واحدة تقريباً عن نسبتهم منذ عام 2016.
يعني ذلك بكل بساطة أن نسبة الشريحة الاجتماعية العميقة، وبموجب دراسة مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، هي الأعلى في عهد حكومة الدكتور الرزاز، والتي رفعت شعارات كثيرة وكبيرة أهمها مصفوفات وطنية ومشروع نهضة وطني ودولة إنتاج ومواطنة وتيارات مدنية إصلاحية.
تلك حقيقة رقمية صادمة لا يمكن تأملها فقط عند قراءة الحيثيات المتعلقة بالاستطلاع عبر صحيفة عمون الإلكترونية أو بقية المواقع، فالاستنتاج اليتيم على الأرجح هنا أن قتيبة إياه هاجر فعلاً أو أنه وأقرانه من شريحة الشباب مهووسون وحالمون، على حد تعبير الوزيرة جمانة غنيمات، بفكرة الهجرة.
من يقول ذلك اليوم أهم مركز للدراسات الاستراتيجية في أهم جامعة تتبع الحكومة أصلاً، وليس المعارضة أو النقابات المهنية أو خصوم وأعداء الداخل والخارج.
سبق للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الأردني أن قدم لحكومة الرزاز في تقرير مفصل وخطير ومهم عن حالة البلاد تشخيصاً علمياً للواقع مع كل مستلزمات التحذير الوطني بالتلازم مع تجاهل هذا التقرير بصورة لا أحد يفهمها بعد.
في كل حال، مسألة التفكير بالهجرة لم تعد تقتصر على الفتى الذي تجرأ يوماً، وبعد وقت قصير من تكليف الرزاز بتشكيل حكومة، على سؤال رئيس الوزراء عن رأيه بهجرة الشباب، فبعد خمسة أشهر على الأقل من السؤال عاد الفتى نفسه وطرح السؤال مجدداً.
الفارق هنا أن الرزاز قرر أن لا يجيب.. بمعنى أن رئيس الوزراء الطموح والمثقف، وبعد أشهر في الإدارة والحكم، فهم تماماً أنه لا يستطيع تقديم وعد لقتيبة وأقرانه يمكن على أسـاسه نصيحـتهم بـعدم الهـجرة.
سمعت «القدس العربي» الرزاز مباشرة، وعلمت مرات عدة أنه يعتبر دعاة التيار المدني والمواطنة والإصلاح والليبراليين والمثقفين ومن رفعوا نسبة التوقع من الحكومة لا يزيد عددهم عن 2% في المجتـمع.
يبقى السؤال الأكثر حساسية حاضراً: هل البقية الرقمية بنسبة 98 % راضية عن الحكومة؟.. أجاب أحد السياسيين «الخبثاء» على هذا الاستفسار الذي طرحته «القدس العربي» عملياً بالقول إن أحد البنوك لديه في مجلس الوزراء مقاعد تزيد نسبتها على 20 % ومن بينها مقعد الرئيس نفسه.
تلك طبعاً ملاحظة متخابثة ولا يمكنها أن تكون بريئة سياسياً.
لكن بعد عام وأكثر بأيام من شهرين، في فترة تخللها بث الكثير من الروح المعنوية والتفاؤل والشعارات الكبيرة والعمل البنيوي الذي لا يمكن لنتائجه أن تظهر بسرعة وتحتاج إلى سنوات، يثقب مركز الدراسات الاستراتيجية «بالون» الحكومة بإحصائية رقمية صغيرة تقول عملياً لصانع القرار في دولة الحكومة وفي الدولة العميقة بأن أقل من نصف الشعب بقليل بدأ فعلاً يفكر بخيار الهجرة، وهو طبعاً خيار غير متاح لهؤلاء.
وفقاً للخريطة الرقمية نفسها من بين الشعوب العربية في سيناريو الهجرة، احتل الأردنيون المرتبة الثانية، وسبقهم في الصدارة الشعب السوداني.
تلك أيضاً حقيقة مرة سياسياً، فحتى السوري والفلسطيني والعراقي والتونسي والليبي لا يفكر بالنسبة نفسها في الهجرة، مع الإقرار المسبق طبعاً بأن تلك البلدان لا تقام فيها أصلاً دراسات إحصائية وطنية، ولا يوجد فيها مركز الدراسات الاستراتيجية، الذي فرضه قبل عقدين على الأقل كبصمة عميقة في واقع الاختبار والقياس الأردني شخص من وزن النائب السابق والباحث والمفكر الدكتور مصطفى حمارنة.
يحتاج هذا الرقم، بالرغم مما يوحي به من مبالغات محتملة، إلى تدقيق عميق عابر للحكومة ولا يدخل في نطاق صلاحيات أو إمكانات الرئيس الرزاز وحكومته فعلاً بعدما ورثت «التركة الثقيلة». لكن إزاء صدمة رقم سياسية ووطنية من هذا الحجم يصبح سؤال الهجرة أحد أخطر وأهم تداعيات الأزمة الاقتصادية الأردنية وتداعيات فصام العلاقة بين الأردني ومؤسساته.
إذا أراد الرزاز، ومن خلفه عقل الدولة ومركز صناعة القرار، عدم الاستسلام والمتابعة وقراءة المشهد بعمق، لا بد من الوقوف وفي سياق وطني جاد عند مثل هذا الرقم.