احتفالات بالتقارب بين بغداد وعمان بعد «تفعيل طريبيل»… مواجهة حتمية بين «الحشد الشيعي» والأمريكي وخلوة البحر الميت ناقشت «ناتو عربي»
يبدو الخيط السياسي رفيعاً جداً لكنه متين بين خلوة البحر الميت الوزارية العربية الغامضة والاعترافات الجريئة التي تقدم بها في عمان رئيس الوزراء العراقي الأسبق الدكتور إياد علاوي بعد ساعات فقط من الاحتفال المبالغ فيه على حدود طريبيل بين الأردن والعراق بما سماه رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز بعودة «الألق إلى الشرق».
علاوي، صديق المؤسسة الأردنية ورفيقها، قرر لأغراض تخصه على الأرجح العودة إلى الأضواء وأن «يبق البحصة» عندما امتدح الاتفاق الأخير بين بلاده والأردن وقرر، على شاشة محطة المملكة، التلميح إلى الجهة التي كانت تعيق التعاون بين العراق العربي، كما وصفه وبين حاضنته الطبيعية.
قبل مؤتمر «وارسو»… إياد علاوي يلمح للوبي إيراني يعيق التعاون بين الأردن والعراق
نجح المذيع الحذق طارق العاص باستدراج العلاوي إلى أن خرج المشاهد بانطباع واضح يؤشر إلى اللوبي الإيراني الطائفي المتشدد الذي احترف عرقلة عودة العلاقات إلى طبيعتها مع الأردن والنظام الرسمي العربي.
في الأحوال الطبيعية كان مثل هذا التأشير مكلفاً جداً على أي لاعب سياسي عراقي.
لكن الحدث يمكن رصده عندما يتحدث علاوي وغيره عن الاتفاقيات المتأخرة بين البلدين، في الوقت الذي بدأت فيه عمان وعبر الرزاز تسترسل في عزف الأسطوانة الشرقية ذات الصلة بأغنية «وقفت عمان وبغداد بخندق واحد» حيث اتفاقيات بالجملة احتفت بها العاصمة الأردنية تضمنت نفطاً وتجارة وتفعيلات في قطاع النقل والتبادل السياحي وإعفاءات جمركية.
حقيقة تلك الاتفاقيات قد لا تعكس نصوصها على أرض الواقع، لكن الرئيس الرزاز يقرر من جهته وقبل إفصاحات علاوي، التحدث عن اختراق مبين في المسألة الاقتصادية بعد عودة تشغيل معبر طريبيل إلى أقصى طاقاته وبحرية تامة، ما سيؤدي إلى تعزيز الفرص الاستثمارية والنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للأردنيين والعراقيين.
الكلام بطبيعة الحال طيب ولا غبار عليه… لكنه سياسي بامتياز، لأن احتفالات طريبيل تلك صعدت إلى سطح الحدث مباشرة بعد خلوة البحر الميت لوزراء خارجية ست دول عربية وبدون بيان ختامي أو إعلان سياسي تصادف أنها الدول نفسها التي زارها في جولته الأخيرة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي كان قد أبلغ «القدس العربي» مباشرة بأن اللقاء تشاوري محض. لكن المفكر والمحلل السياسي البارز، عدنان أبو عودة، يضع خطوطاً عدة تحت مفردة «التشاور»، ويتحدث عن تأمل أعمق في التوقيت والأهداف، في الوقت الذي طالب فيه القطب البرلماني خميس عطية بالكشف عن مضمون خلوة البحر الميت الغامضة والتذكير بأن الأردن كان مبتعداً طوال الوقت عن سياسة المحاور.
ساند عطية في التلميح زميله النائب خالد رمضان عندما طالب، أمس الأول، بعقد جلسة مناقشة عامة يفهم فيها نواب الشعب ما الذي جرى في «خلوة» البحر الميت.
حكومة الرزاز تصرفت على أساس أنها لم تسمع مثل هذه الأسئلة، والانطباع يتكرس أكثر بأن تلك الخلوة المثيرة لها علاقة بتوحيد النص بين ست دول أعضاء في نادي أصدقاء واشنطن قبل حدث ما قد يحصل قريباً، وهذا التوحيد في النص له علاقة على الأرجح بجولة بومبيو.
على هامش حراك الدكتور علاوي في عمان خلال اليومين الماضيين، يبرز الهمس مجدداً في الجلسات الخاصة حول الأهداف الأعمق لسحب الجيش الأمريكي قواته من سوريا وإرسال بديل عنها إلى العراق ضمن مشروع لإقامة قاعدة عسكرية ضخمة جداً قد تصل امتداداتها إلى مناطق غرب العراق، ومسرح عملياتها الأمني سيطال القرى والنواحي المحاذية للطريق الدولي بين عمان وبغداد.
العنصر الأمني الجديد غرب العراق بمحاذاة الأردن برعاية أمريكية أنهى تماماً عمليات النقل عبر المناولة، وأصبحت الشاحنات الأردنية والعراقية حرة في الحركة، بمعنى أن خطر الإرهاب الذي كان قد أغلق حدود طريبيل أصلاً قدرت وقررت جهة ما أنه لم يعد قائماً. تلك انحناءة سياسية تكتيكية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الاحتفال مؤخراً بتدشين حدود طريبيل يتم بالتوافق والاتفاق مع الراعي الأمريكي.
وتثبت أيضاً، بالتوازي، تلك الشكوك التي سئل عنها علاوي عندما تتوقع غرف عمان الخاصة مواجهة حتمية في الطريق بين القوات الأمريكية وحزمة ميليشيات الحشد الشيعي، الأمر الذي تطلب إجرائياً التجهيز لمسرح عمليات غرب العراق تستفيد منه الشاحنات الأردنية والعراقية عملياً.
وهو لا يقول ذلك صراحة، لكن بغداد تشبك اقتصادياً وتجارياً وحدودياً يدها مع عمان بضوء أخضر أمريكي يسمح ببداية توقع تلك المواجهة داخل عمق المعادلة العراقية بين الراعي الأمريكي والعنصر الإيراني الذي يتحكم بكل الاعتبارات وسط الانقسامات الحادة في بغداد.
ذلك بطبيعة الحال لن يكون إلا جزءاً من خطة بومبيو المكتوبة التي ناقشتها خلوة البحر الميت الغامضة تحت عنوان استحقاق التصدي للنفوذ الإيراني في الإقليم، وبعدة ساحات وبالتزامن وبما يتطلبه ذلك من إنعاش أفكار مثل حلف الناتو العربي أو الجبهة العسكرية الموحدة للنظام الرسمي العربي حتى ينفق المال بنفسه على مصالحه وفقاً لرؤية الرئيس دونالد ترامب وعشية المؤتمر المهم الوشيك في «وارسو».