اختلافات مبكرة بشأن «المقعد السوري»… ومصير «المبادرة العربية» الملف الأهم في قمة تونس
تبدو الأجواء وادعة وهادئة في العاصمة تونس وهي تستعد لانطلاق ماراثون الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب تمهيداً لقمة الزعماء في الوقت الذي يسود فيه التساؤل في أوساط الإعلام خوفاً من قمة «باهتة» وهزيلة في القرارات والتوصيات تعكس «صقيع المرحلة» السياسي. والمسألة الأكثر إثارة للتجاذب هنا تتمثل في محاولة المراقبين ووفود التحضير الاداري والدبلوماسيين والدولة المضيفة الإجابة على سؤال مركزي يتردد أكثر من غيره: ماذا سيقول الزعماء العرب بخصوص «المبادرة العربية» للسلام بعدما أخرجتها عن سياقاتها قرارات الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاخيرة؟
ترامب بوضوح ترك ظلاله الثقيلة على الحلفاء العرب للولايات المتحدة في تحضيرات القمة العربية بعدما أسهمت قراراته المتلاحقة بالقدس والجولان وغموض خطته المسماة بصفقة القرن بإرباك جميع الأطراف خصوصاً وأن الميزان ليس بصالح النظام الرسمي العربي ولا بكل المعايير. طبعاً على مستوى خبراء ومندوبي الجامعة العربية ومجلسها من المرجح ان الإجابة غير متاحة قبل يومين من القمة الفعلية على الاقل، الأمر الذي يعكس منسوب التردد السياسي في تحديد وترسيم مصير المبادرة العربية. وثمة ما يتسرب هنا عن ثلاثة مسارات بخصوص وثيقة المبادرة العربية الاول يتحدث عن صعوبة وكلفة «سحب المبادرة»، والثاني يؤمن بضرورة الرد على التصعيد الاسرائيلي والامريكي بالتمسك فيها وهي وجهة نظر الثنائي المصري – الاردني.
والمسار الثالث يقترحه السعودي والتونسي كحل وسط على اساس عدم اللجوء لإعادة قراءة المبادرة لا سلباً ولا إيجاباً بمعنى تركها كما هي بموجب قرارات قمة الرياض الاخيرة بدون تعديل حتى لا تتحول نقطة إرتكاز للتجادب والتفاعل السلبي. العاصمة تونس بطبيعة الحال تترقب باهتمام «الوصول المبكر» للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حتى بعد ظهر الخميس باعتباره مؤشراً أساسياً على نجاح القمة بالمعنى التنظيمي والسياسي والمدلول الإجرائي. لكن في المقابل لا يبدو ان الأطراف العربية مختلفة على المبدأ عندما يتعلق الامر بقرار ترامب الءخير ضم الجولان لإسرائيل حيث يتمسك الاردن وتسانده مصر في التحدث باسم نظام الاعتدال ومعسكر السلام العربي عن «سورية الجولان» وعدم الاعتراف إطلاقاً بقرار ترامب بضمها لإسرائيل مع التركيز على التمسك عربياً بأسس قرارات الشرعية الدولية. هنا الاقتراح الأرجح على مستوى الاتصالات الأولية هو تطبيق نمودج ما قررته القمة العربية السابقة بخصوص نقل السفارة الامريكية إلى القدس على قرار ترامب بخصوص الجولان. لكن لا ينسجم مثل هذا الاتجاه على بروز أي توافق حتى قبل القمة بليلتين عندما يتعلق الامر بالموقف من ملف «عودة سوريا» إلى مقعدها في الجامعة العربية حيث لا يوجد توافق على هذا الملف وفقاً للبيانات الصادرة عن الجامعة العربية والناطق باسم تحضيرات القمة. وعليه يعتقد بان ملف المقعد السوري قد يترك أيضاً منعاً للتجاذب وبدون قرارات جديدة وإن كانت بعض الدول مثل لبنان والكويت وحتى الأردن ستختبر المناخات وتدفع بقوة باتجاه مراجعة قرار الجامعة العربية السابق بخصوص الملف السوري وهو احتمال قد لا يشهد تطوراً لافتاً بكل الأحوال باستثناء «تقلص» الدول العربية المتشنجة تجاه خيار عودة سوريا لإشغال مقعدها. وفي الوقت ذاته يحضر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى تونس للمشاركة بالقمة وهو متذخر هذه المرة ببيان أردني – مغربي شديد اللهجة وقوي يساند الدور الأردني في الوصاية على شؤون المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. فقد وزار عاهل الأردن الخميس المغرب والتقى بالملك محمد السادس بصفته رئيساً للجنة القدس العربية.
وصدر عن اللقاء بيان ثنائي رسم بعناية على معيار الاحتياج الأردني وهو يصر على رفض أي تغيير في البعد التاريخي والمكاني على أوقاف القدس معتبراً ان الحفاظ على هوية القدس «أولوية قصوى» للبلدين. ويحذر البيان الأردني المغربي المشترك من مغبة أي محاولات لتغيير الوضع التاريخي والقانوني والسياسي للقدس ومعالمها.
ومن المناسب توقع ان يلتزم الوفدان الأردني والمغربي لقمة تونس بمضمون البيان المشترك بخصوص القدس ضمن فعاليات القمة العربية في تونس.
وبالتالي هذا ما يريده الأردن عملياً وهو يتحضر بنشاط لقمة تونس على أمل تحقيق قفزة كبيرة في مجال التحفظ السعودي على «الوصاية الهاشمية» ودعمها باعتبارها حصرية مع التركيز على عدم المساس بمعالم القدس وملامحها وهو الأمر الذي تهتم به بالعادة وزارة الأوقاف الأردنية.