الأردن: «التطبيع الديني»… كمين سياسي لـ«الأوقاف» برعاية سفارتي واشنطن ولندن
بدت المسألة أقرب إلى «كمين دبلوماسي وسياسي» عندما أصر دبلوماسيان غربيان في العاصمة الأردنية عمان، مرتين على الأقل، على تقمص صيغة «السؤال الاستفهامي» المدعي للبراءة، والذي يعكس «الجهل بالواقع»، وتحديداً لوزير الأوقاف الجديد في الحكومة الأردنية، وبعنوان: ما الذي يمنع الأوقاف بصورة محددة من التواصل مع «النظير الرسمي» الإسرائيلي؟
سؤال ملغوم بكل الدلالات ويخطط مسبقاً لـ «التطبيع» على مستوى المؤسسات الدينية أيضاً. سمع وزير الأوقاف الأردني الشيخ عبد الناصر أبو البصل، مرتين على الأقل، ملاحظات بهذا الخبث تم تغليفها بالخطاب الدبلوماسي الاستفهامي من السفير البريطاني في عمان أولاً ومن القائم بالأعمال الأمريكي أيضاً. ومؤخراً فقط، ولسبب مجهول، يظهر السفير البريطاني في الأردن إداورد أوكدين قدراً ملموساً من الاهتمام بإسرائيل، ويحاول العمل في منطق يخدم التطبيع معها أردنياً في مستويات كانت دوماً مغلقة على تداعيات اتفاقية «وادي عربه».
يبدو أن من يجلس في موقع القائم بأعمال السفارة الأمريكية في عمان يعلم مسبقاً أن مسألة «العمل لصالح إسرائيل» في الساحة الأردنية تساعده في سلمه الوظيفي في الخارجية الأمريكية، على الأقل هذا ما ظهر مع ثلاثة دبلوماسيين سمع أبو البصل لأحدهم في السياق نفسه، بينهم هنري ووستر، وبعده باول مالك، وقبلهما جيم بانهارت، وثلاثتهم تجولوا في الأفق الأردني الشعبي والحزبي والديني لصالح التطبيع بعد مغادرة السفيرة التي أزعجت السلطات الأردنية لثلاثة أعوام، أليس ويلز، ودون تعيين بديل لها حتى الآن.
مؤخراً بدأ سفراء ودبلوماسيون أمريكيون وبريطانيون في عمان يضغطون باتجاه دفع شخصيات دينية واعتبارية للتحدث مع الإسرائيليين على أساس المصالح الأردنية «الوقفية والإسلامية والمسيحية» ضمن الوصاية في القدس. الاتصال بإسرائيليين هو «محرقة حقيقية» في الشارع الأردني لأي رمز يفكر بالمسألة، خصوصاً بعد جريمة السفارة والرابية التي لا تزال عالقة في ذاكرة الأردنيين.
والوزير أبو البصل أفلت مرتين من المطب الدبلوماسي عندما لفت نظر من يقابلهم إلى أن أي ملاحظات لها علاقة بالملف الإسرائيلي مكانها الطبيعي «وزارة الخارجية» وليس وزارة الأوقاف، حتى عندما يتعلق الأمر بالقدس والوصاية، وعلى أساس أن الأوقاف وزارة «فنية» وليست «سياسية».
وزير الخارجية أيمن صفدي، وكما فهمت «القدس العربي» استفسر من زميله الشيخ أبو البصل بالصدفة عن الأسباب التي دفعته لتأجيل مؤتمر صخم لعلماء المسلمين كان ينوي عقده في العاصمة عمان، ديسمبر/كانون الأول الماضي، بالتعاون مع لجنة فلسطين البرلمانية. وجهت رقاع الدعوة لنحو 1000 شخصية في العالم، واتخذت الترتيبات، لكن وزير الأوقاف قرر التأجيل، ولم يتضح بعد السبب حتى اللحظة.
لكن يعتقد على نطاق ضيق بأن بعض الدوائر في القرار السياسي الأردني قدرت بأن ملف الوصاية على القدس لا يعاني من مشكلات، وأموره مستقرة، والمؤتمر في هذا التوقيت يمكن أن يثير مشكلات دبلوماسية أكثر مع اليمين الإسرائيلي الحاكم الذي تربطه علاقات سلبية جداً أصلاً بالأردن. طبعاً لم يخرج الوزير أبو البصل للمشهد العام لكي يشرح لماذا فقد فجأة حماسة لمؤتمر يدعم القدس والدور الأردني في حمايتها، خصوصاً بعدما أبلغ المؤسسات السيادية وتشاور معها وحظي بموافقة كبار المسؤولين في المستوى الأمني والديوان الملكي وخطط لاستضافة شخصيات كانت ممنوعة من زيارة الأردن. الوزير الصفدي، وفي اتصالات متنوعة عدة مع «القدس العربي»، شرح بأن موقف بلاده من القدس والمسجد الأقصى أقرب إلى صيغة قانون لا يقبل الاجتهاد ولا يخضع لأي تعديل أو تغيير أو تسييس، مؤشراً على توجيهات ملكية دائمة في هذا السياق، ومؤكداً أن الحكومة الأردنية لا تتحدث بلغتين إطلاقاً في ملف دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه ومصالحه ومؤسساته. في المقابل، تراجعت وزارة الأوقاف عن المؤتمر المؤجل ولم تعلن له موعداً جديداً بعد، الأمر الذي يوحي باختلاف «التقدير السياسي» خصوصاً وقناعة الأردنيين والعرب والفلسطينيين وأهل القدس تتكرس بأن الأردن يكاد يكون البلد العربي الوحيد الذي يتحدث اليوم مع العالم تحت عنوان «حماية القدس والأقصى» واستمراره في القيام بواجبه التاريخي في هذا الإطار كما ورد تماماً في الخطابات الخمسة الأخيرة للعاهل الملك عبد الله الثاني. رغم التراجع عن المؤتمر، ظهر مؤخراً بأن بعض السفارات الغربية في العاصمة عمان تحاول «توريط» وزارة وقورة ودينية مثل الأوقاف في نقاشات مباشرة مع الإسرائيليين تحت لافتة «احتياجات ومتطلبات» الاستمرار في الوصاية الأردنية على القدس والأقصى، علماً بأن هذا الدور منوط تماماً بالخارجية والسفارة الأردنية في تل أبيب.
حمى الاهتمام بهذه المسألة وصلت لمستوى طرح سؤال دبلوماسي غربي على عدة وزراء أردنيين: لماذا لا تزورون إسرائيل؟..طبعاً تم تغليف السؤال بالإشارة إلى ضرورة أن يزور المسؤولون الأردنيون، خاصة المعنيين بالأوقاف والشؤون الدينية والمشايخ المستقلين، القدسَ للتفاهم مع الإسرائيليين على «وصايتهم».