الأردن: تجاذب في ثنائية «الرزاز – المعشر»… «الفلاتر» في غيبوبة وثلاثة «أطقم» داخل «الوزاري»
وجود شخصية خبيرة من وزن الدكتور رجائي المعشر في موقع الرجل الثاني بحكومة يترأسها ليبرالي يمثل التيار المدني من وزن الدكتور عمر الرزاز كان أصلاً عبارة عن «رسالة وضمانة» للحرس القديم والتيار المحافظ.
المعشر رجل محنك وقبِل بصعوبة القيام بالمهمة بمعية الرزاز عندما صدر الأمر المرجعي له بالمشاركة في حفلة وزارة «الدوار الرابع».
خلافات تكرس القناعة بمعادلة.. التعديل أو التغيير
مؤخراً فقط، رصد الرزاز نفسه الملاحظات التالية: «فلتر» المعشر لا يعمل بكفاءة، لأن التيار المحافظ ورغم تمثيله في موقع نائب الرئيس، يواصل الهجوم وبكثافة على الحكومة، وتحديداً في الشارع وعند «المقام الملكي». معسكر الرزاز سجل أيضاً ما يلي: المعشر يكثر من التلويح بالاستقالة وبدأ مؤخراً بطرح معادلة «..قناعتي تمر أو الاستقالة».
في الأثناء، ثمة ملاحظة إضافية قيلت في أضيق مستويات القرار: الإعلام الموالي للسلطات الأمنية يهاجم الحكومة ورئيسها.. المستوى الأمني لا يوفر الغطاء المقنع لحماية الوزراء من حالات «الطرد» في المحافظات والأطراف، ويقف على الحياد عندما يتعلق الأمر بالشارع ضد الحكومة.
تلك «الذرائع» لا تكفي سياسياً للاستعمال من أجل تبرير مؤشرات؛ أولاً، «الارتباك» عند طاقم الرزاز، وثانياً، «التقصير بالواجبات والمهام»، فقد استمعت «القدس العربي» مباشرة لوزير بارز في الحكومة يعتقد بـ «تقصير» الحكومة في ملف «المتعطلين عن العمل»، ما دفع الديوان الملكي ورئيسه يوسف العيسوي للتدخل والاشتباك.
رغم ذلك، استدعي الأركان الكبار في بقية مستويات القرار وأمروا بمساعدة رئيس الوزراء وتقبل ملاحظاته والتدخل لحماية الحكومة قدر الإمكان في الشارع، رغم أن «وظيفتها» المعتادة هي «امتصاص» الشارع وتوقف الاحتماء خلف الأجهزة والقصر الملكي.
لكنها وظيفة لا يجد الرزاز نفسه معنياً بها بسبب صعوبة المرحلة وتعقيدات الظروف وأولويات ما يسميه بمشروع النهضة الوطني.
على جبهة المعشر نائب الرئيس أيضاً ثمة ملاحظات في المقابل، فالرجل يتم تكليفه حصرياً بالملفات المحلية «الشائكة» ويوضع في «الواجهة» عند حصول أزمة فقط، وعندما يتعلق الأمر بالاشتباك مع الملفات الأساسية يتم «تغييبه».
المعشر، وفي الحوار الهامس الذي تمكنت «القدس العربي» من متابعته، ورغم أنه يترأس الطاقم الاقتصادي وبقرار من الرزاز، لم يحضر في مفاوضات واشنطن مع صندوق النقد، وأقصي عن مؤتمر لندن، ولم يرافق الرئيس في زيارات خارجية متعددة مهمة.
حتى عندما زار الرزاز بغداد، لاحظ الجميع أن المعشر زارها لاحقاً منفرداً، في الوقت الذي حضر فيه أيضاً منفرداً وبدون رئيسه لقاءات شعبية ملكية لتعويض فاقد الحضور. وفي المحصلة، ثمة «مشكلة» لم تعد سراً بين قطبي رئاسة الوزراء في البلد وفي ظرف معقد، وثمة «فلاتر» في غيبوبة. وفي توقيت متأخر، بدأ المعشر يشعر بالانزعاج من حشره في «دور وظيفي» بعيداً عن «صناعة السياسة والقرار» وفي سياق «لا يليق به»، فيما بدأ الرزاز يشعر بالمقابل بأن نائبه «غير مرتاح»، والكيمياء تتقلص، ونتج عن ذلك «إعاقة» المعشر لبعض التوجهات وكثرة تلويحه بالاستقالة ورغبته في الانسحاب.
خارج الحكومة، بدأ مقربون من المعشر يهاجمون الرزاز وأحياناً في وجوده، وبدون التصدي أو الدفاع عن خيارات الرئيس.
شملت الخريطة، التي تهاجم الرزاز ويشتكي منها على أساس أنه «لا يستطيع الإنجاز والعمل فعلاً في ظل مثل هذا المناخ»، شخصيات متعددة من بينها رئيس الديوان الملكي الأسبق فايز طراونة ونخب من وزن نايف القاضي ومعروف البخيت وآخرون.
طبعاً، يتحرك رئيس الحكومة في «تسييس» بوصلته وفقاً للقناعة بأن الشخصيات والمؤسسات التي تهاجم مسيرته وتتحرش بحكومته مقربة أولاً من نائبه. وثانياً، تحظى ببعض «الرعاية» من مؤسسات أخرى في الدولة أو مقربة من المرجعيات. وهذه وضعية يريد الرزاز أن يفهمها ويرغب في «الانسحاب» بلباقة وبدون ضجيج إذا كانت مؤشرات على رغبة ضمنية ومرجعية بأن يستقيل ويفسح المجال لمشروع «حكومة جديدة».
الشكوى والتذمر هنا تحديداً لهما وظيفة تكتيكية؛ فهما أولاً يبرران العجز والتقصير، وثانياً يخففان من الضغط على الوزارة من داخل مؤسسات الدولة على قاعدة «خير وسيلة للدفاع هي الهجوم». وثالثاً وهو الأهم، يدفع القصر الملكي أكثر لمطالبة «بقية الرفاق» بالتطوع للعمل من أجل صالح حكومة يلتبس أصلاً الموقف الشعبي منها اليوم ولو على قاعدة «تبرئة الذمة».
وإذا نجحت مقاصد التكتيك المشار إليه يطول عمر الحكومة قليلاً حتى يجد الرزاز تلك «البصمة» التي يبحث عنها. وإذا لم تنجح تكون الظروف مهيئة لـ «تبرير» سقوط الحكومة على أساس أن سكان الطبقات العليا هم من تحرشوا بها وأسقطوها.
بالصدفة البحتة، يجلس في عمق هذا التجاذب الرجل الثاني الدكتور المعشر وسط حالة وزارية بدأت تخاصمه وفي عمق حكومة «لم تعد منسجمة» كفريق، وهو في كل حال ما يلاحظه صاحب القرار المركزي، حيث ثلاثة أجنحة وانشطار ثلاثي داخل الطاقم، وحيث وضع صعب استمراره بدون الغوص مجدداً في جدلية..التعديل الموسع أم التغيير الوزاري؟