الأردن: توظيف سياسي بامتياز… برلمان يحرج «الأعيان» ويتجاهل الحكومة ويحاول استعادة «هيبته الشعبية» بقانون «العفو العام» الجديد
مقاصد رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة السياسية حصرياً واضحة الملامح وهو يطلق على قانون العفو العام الجديد وصفاً باسم «مشروع مصالحة وطنية»، في تعبير عن حالة نادرة قررتها إرادة مجلس النواب في سياق التوظيف السياسي.
والفكرة وفر لها الغطاء والمبادرة قبل الجميع بدون استثناء الركن البارز في سلطة التشريع خليل عطية، وهو أول من اقترح العفو العام منذ أكثر من عام واشتغل عليه بإصرار متابعاً كل التفاصيل.
عطية عملياً وفر الفرصة في النهاية لكي يناور الطراونة وزملاءهما في مساحة لها علاقة باستعادة ولو جزء من هيبة مجلس النواب في الشارع بعد سلسلة من المرارات الشعبية التي دفعت المواطنين في مناسبات عدة للمطالبة بإسقاط البرلمان مع الحكومة، خصوصاً بعد إقرار قانون الضريبة الجديد وتحت وطأة الضغط الاقتصادي الهائل على المواطنين وكلفة المعيشة.
ملف العفو العام ساهم به أيضاً رئيس اللجنة القانونية عبد المنعم العودات، وكان بمثابة معركة حقيقية بين سلطة التشريع والسلطة التنفيذية أثارت الكثير من التجاذب والخلافات والتساؤلات خلف الستارة والكواليس.
وقد تكون من المرات الأولى والنادرة التي يشتبك فيها مجلس النواب ضد خيارات حكومية حاولت التقليص من أهمية العفو العام وإخراجه بصورة محدودة بصيغة حكومية وصفها النائب عطية عدة مرات أمام «القدس العربي» بأنها انطوت على محاولات متذاكية لإخراج مضمون العفو العام عن سياقه، خصوصاً بعدما أمر به الملك عبد الله الثاني شخصياً.
الصيغة التي اعتمدها نهائياً، مساء الاثنين، للعفو العام مجلس نواب الأردن هي الأقرب لأجواء تصالحية فعلية تحت عنوان فتح صفحة جديدة أمام آلاف المساجين أو المشتكين قضائياً. وهي الصيغة نفسها التي قد تنتهي بمرحلة جديدة تحت عنوان الحد الأعلى الممكن من «تبييض السجون»، بمعنى تخفيف العدد الأكبر من المساجين وإعفاء الخزينة من كلفتهم بعد إعلان الأمن مرات بأن السجين الواحد تصل كلفته الشهرية إلى نحو ألف دولار.
بكل حال، حرص الطاقم الوزاري الموالي لوصفات صندوق النقد الدولي في الحكومة طوال الوقت على تقديم مشروع محدود جداً للعفو العام بذريعة كلفته المالية التي قد تصل إلى 90 مليون دينار هي محصلة الغرامات والمخالفات المالية التي ترد للخزينة في حال عدم صدور العفو. ردة فعل نبض الشارع عبر عنها معلقون كثر، من بينهم الناشط الإعلامي سهم العبادي، عندما انتقدوا موقف الطاقم الاقتصادي بالإشارة إلى أن الحكومة قامت بتحميل المواطن الأردني ديوناً خارجية وصلت إلى 40 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن كلفة العفو العام على الخزينة لفتح صفحة جديدة من التسامح في المجتمع لا تذكر قياساً بما أنتجته الحكومات المتعاقبة من ديون على أكتاف المواطن الأردني.
بكل حال، بقيت البلاد على حبل عصبي مشدود طوال ثمانية أسابيع تخللتها نقاشات متوترة حول حدود وتفاصيل العفو العام. وضغط النواب بشدة على صيغة الحكومة، وانتهى المشهد بإقرارهم لقانون عفو عام أوسع وأشمل لا علاقة له بما اقترحته الحكومة بعد صراع مرير بين السلطتين نتج عن إصرار مجلس النواب على تقديم شيء ملموس لصالح الشعب حفاظاً على الاستقرار العام والعلاقة بين الدولة والمواطن بعد سلسلة من التوجهات والتشريعات التي تجامل الحكومة فقط وتضغط على الجمهور. وأصر النواب على مواقفهم في توسيع قاعدة العفو العام وعبر القانون الجديد الذي يؤدي إلى مغادرة نحو 80 % من المساجين على الأقل. وأرسل التشريع بصورته المقرة إلى مجلس الأعيان، فيما ألمح نائب رئيس الحكومة الدكتور رجائي المعشر إلى أن الحكومة ستحاول العمل مع الأعيان ضد خيارات النواب لإعادة مراجعة القانون.
مجلس الأعيان، وهو مجلس الملك، تحت الأضواء الكاشفة الآن، وأي محاولة منه للتخفيف من شمولية ما قرره النواب بالعفو العام ستؤدي إلى هجوم كاسح عليه من الأوساط الشعبية في الوقت الذي يعتقد فيه بأن الأعيان لا يمكنهم أن يكونوا بموقف معاكس للتصور الملكي بخصوص العفو العام.
إلى ذلك، استثنى العفو العام الجديد قضايا الإتجار بالمخدرات والتجسس والاعتداء على المال العام والاغتصاب وهتك العرض وشمل كل شرائح مخالفات السير والغرامات الحكومية، واستثنى الغرامات ذات الصلة بالضريبة، لكنه شمل ما يسمى بالجرائم الإلكترونية، وحتى قضايا الذم والقدح المرتبطة بإسقاط الحق الشخصي.