الأردن: عدد رجال الأمن أكثر من «الحراكيين» وجديد الهتاف «ملكية دستورية وحكومة منتخبة»
مجدداً، وبعد ساعات فقط من عاصفة الثلج الأخيرة، وفي ظل طقس بارد جداً، وقف العشرات من حراكيي الأطراف مساء الخميس الماضي في منطقة الدوار الرابع وسط العاصمة الأردنية عمان بهدف الحفاظ على الوقفة الاحتجاجية التي تحمل اسم «معناش».
عدد المحتجين كان الأقل منذ انطلق حراك معناش قبل نحو شهرين. لكن عدد رجال الأمن في الموقع حقق تفاضلاً عددياً كبيراً مع تعليمات ملموسة بترك المايكروفونات تصرخ وترفع الصوت بالهتافات التي أصبحت أمراً عادياً جداً في الشارع الأردني، والتوجيهات الأمنية كانت تنص على التدخل والاشتباك فقط عندما يحاول المتظاهرون إعاقة السير أو تعطيل حركة الشوارع.
رغم قلة عدد الحراكيين، وعند التدقيق في الهتافات الأقل صخباً، مساء الخميس، تلمس المراقبون تطوراً في الهتاف السياسي، حيث هتفت الحناجر لـ «الملكية الدستورية» وتحدث خطباء فجأة عن «حكومة منتخبة» وإصلاح شامل.
في الموقع، رصد أمام كاميرات الهواتف الخلوية المعارض الراشد الذي يعتقد أنه وراء التعديل في الهتافات، وهو المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين والمنشق عنها الشيخ سالم الفلاحات.
الفلاحات زار مكتب «القدس العربي» مرتين وتحدث عن بحث المواطن الأردني عن «العدالة» قبل أي شيء .
بعض الهتافات البسيطة شذت عن تلك القواعد التي يقترحها الفلاحات الذي انشغل طوال الوقت في كواليس التحضيرات الحراكية بترشيد الهتافات وإبعادها عن «الشخصنة» قدر الإمكان.
تميز الفلاحات برفضه المساس خطابياً بأسماء كبيرة، والتركيز على الهتاف للإصلاح والوطن وضد الفساد فقط، وسبق له أن بحث الخطوة التالية في مطالبات الإصلاح الشامل مع شخصيات وطنية خلف الستارة تدعم الحراك الشعبي من وزن رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، والمعارض ليث الشبيلات، وكذلك توجان الفيصل، وهند الفايز.
على جبهة موازية، تغيب عن الفعاليات الوزير الأسبق أمجد المجالي، وتوقفت حركة عبيدات في البحث عن «شراكات نخبوية وطنية» تتحرك بالشارع للضغط على الدولة، ولم تظهر عضو البرلمان السابقة هند الفايز، ولا رئيس الأركان الأسبق محمود حماد.
كالعادة، الحديث عن الفقر والتهميش وبيع «مقدرات الوطن ومؤسساته» كان وارداً بكثافة مجدداً في الهتافات والخطابات الصغيرة، وخلافاً لكل الأسابيع الخمسة الماضية لم يعلن أي من النشطاء «قطع خدمات الإنترنت» عن موقع الاعتصام.
الحراك الشعبي الأردني أقل زخماً، والهتافات التي يحفظها العديدون أصبحت اعتيادية، وحتى رجال الأمن في الأردن يتعاملون بهدوء مع الفعاليات وبدون استفزاز.
بمعنى آخر، مناخ حراك «معناش» أصبح مألوفاً لجميع الأطراف في المعادلة الداخلية وتعتاد عليه أطراف اللعبة، وما تحاول شخصيات من وزن فلاحات وعبيدات وغيرهما فعله هو العودة في الحراك لمنهجية سياسية تستقطب شرائح مسيسة ومثقفة في الطبقة الوسطى تحت لافتة الملكية الدستورية واقتناص ما يتحدث عنه رئيس الوزراء عمر الرزاز بخصوص «حكومة أغلبية برلمانية منتخبة العام المقبل».
الطبقة الوسطى، وتحديداً في العاصمة عمان ومدن الكثافة السكانية، لا يمكنها التفاعل مع «شتائم واتهامات» تصعيدية بدون قرائن. والملاحظات التي يواصل المعنيون طرحها حول هتافات الحراك أنها تطال أسماء رموز مقربين للسلطة من مكونات اجتماعية دون غيرها في «مثلبة» تنظيمية تدلل على ارتجال الحراكيين الذين أعلنوا بدورهم عن خطوتهم التنظيمية الأولى بتشكيل «لجنة متابعة».
في المقابل، تبدو السلطات الأمنية متحملة، بعيداً عن المؤسسة السياسية والحكومية، العبء الأكبر في متابعة الحراك ونشاطاته، خصوصاً وأن الحراكيين يخاطبون المؤسسات الأمنية في دعوة مباشرة للتحرك ضد الفساد ودعم «استعادة الدولة» من زمرة تتحكم بالأمور، كما قال على الدوار الرابع في تصريح شهير الجنرال حماد.
الانطباع حتى داخل المربع القريب من رئاسة الوزراء يشير إلى أن مستوى التفعيل الحراكي الحالي «مقدور عليه» وتحت السيطرة ما دام أولاً يفتقر للزخم الشعبي في المدن الكبرى، وثانياً يمتنع الأخوان المسلمون تحديداً عن المشاركة فيه.
مؤخراً، تشاور المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان بشأن المشاركة في الحراك الشعبي ما دامت الحكومة تصر على استهداف مؤسسات ومقرات الجماعة.
صوت بعض القادة لصالح المشاركة بالحراك وتحفظ بعضهم الآخر. وفي الوقت نفسه، لم تحقق دعوة الشبيلات لـ»توحيد الحراك» أي جماهيرية تذكر، وبالعكس يصرح الحراكيون الذين يطلقون اسم «الأحرار» على أنفسهم بأنهم «لا قيادة لهم» وأنه لا أحد يمثل أحرار الأردنيين ولا يحتاجون إلى رموز، وهي لهجة برزت مساء أمس الأول الخميس. لكن هذا الخطاب يعني عملياً أن هؤلاء «الأحرار» وحدهم في الميدان وبلا زخم تنتج عنه نقاط تحول تجبر السلطات على التعامل معها.