الأردن في عيون «الظل الأمريكي»: ضربات في الطريق لحلقات «استغلال الوظيفة»
«استغلال الوظيفة»… هذه العبارة القصيرة التي وردت في رسالة تكليف ملكي أردني لمدير المخابرات الجديد الجنرال أحمد حسني قد تشكل حلقة أساسية في فهم كثير من المعطيات في المشهد الداخلي على الأقل خلال المرحلة الحالية، وكذلك في الأسابيع المقبلة.
صنفت رسالة التكليف تلك بأنها غير مسبوقة وتاريخية خصوصاً بعدما ترافقت خلافاً للعادة مع عدم إرسال خطاب علني أو رسالة ملكية تشكر مدير المخابرات المحال على التقاعد، الفريق عدنان الجندي، بالرغم من تكريمه ورفع رتبته. وبكل حال، تحدثت تلك الرسالة عن فئة قليلة من العناصر الموظفة في المؤسسة الأمنية استغلت وظيفتها لصالح غير وطني وتم التصرف معها. هنا تحديداً، وعلى حد رأي فلتر عميق وخبير، يكمن المضمون الأهم في التكليف الملكي لرمز المؤسسة الأمنية الجديدة.
تهمة «إطالة اللسان» بالمرصاد وقريباً «جمع السلاح»
وهنا أيضاً – وهو الأهم – يمكن تفكيك المضمون السياسي الذي أعقب التغييرات في الهيكل الأمني بتعديل وزاري مثير جداً للجدل وصادم كان أبرز ملامحه عودة رمز الخشونة الأمنية والصلابة البيروقراطية سلامة حماد وزيراً للداخلية.
بعيداً عن حماد، تقر رسالة تكليف ملكية، ولأول مرة، بحصول حالات استغلال للوظيفة أساءت للدولة وهيبتها، وتلك كانت إشارة قوية ونادرة من الواضح أن الهيكل الأمني الجديد المتميز بالاحتراف والمهنية سيلتقطها وبصورة منتجة. الواجب الأمني بعد الآن أيضاً واضح ولا مجال للالتباس فيه، فالمطلوب من الجنرال حسني ورفاقه التصدي وبقسوة دفاعاً عن هيبة القانون والدولة والنظام لأي مظهر مماثل بعنوان «استغلال الوظيفة العامة» ومنع تكرار ما ألمح إليه الملك مستقبلاً، بمعنى وضع مجسات هيكلة مراقبة منتجة داخل الهيكل الأمني الجديد وتأسيس وسائل وتقنيات تجعل استغلال الوظيفة مستقبلاً مجازفة لأي فرد أو موظف.
ليس سراً أن هذا الواجب الآن لا يمكن حصره فقط بالفئات التي تحدث عنها الملك، فأخطاء الأفراد في المؤسسات الأمنية الأردنية أقل بكثير وتكاد لا تذكر قياساً بأخطاء الموظفين في الصف العمومي، خصوصاً من فئة الدرجة الكبيرة.
يعني ذلك ضمنياً بأن الذراع الأمنية مفوضة بالتصدي لظاهرة استغلال الوظيفة وفي إطار مهامها وواجباتها القانونية وفي كل شرائح الموظفين، خصوصاً بعد الصدمة التي حققها لعقل الدولة رجل التبغ والسجائر المهربة، عوني مطيع، إثر تمكنه من اختراق شرائح متعددة من الموظفين وفي الأعماق.
تملك المؤسسة الأمنية قدرة الوصول إلى المعلومات، ولديها التفويض القانوني، واليوم لديها توجيه ملكي، بمعنى الانقضاض وبخشونة على مظاهر الفساد الإداري ومساعدة الحكومة في حربها المعلنة على الفساد، وبالتالي العمل على منع ظهور حالات مضرة بالأمن القومي وبسمعة السلطة والبلاد في الداخل والخارج تحت عنوان استغلال الوظيفة مستقبلاً.
في السياق السياسي، لم يعد سراً أيضاً أن جهات دولية داعمة للأردن ومهتمة به، ومن بينها أمريكية وبريطانية حصراً، تدعم من خلف الستارة هذا الجهد في إعادة نفض الغبار عن الحلقات الوظيفية البيروقراطية التي تشاركت مع ملامح المال السياسي وعمليات غير شرعية في إنتاج وقائع في المجتمع أضرت بالدولة.
هذه جهات سبق أن صدمت مسؤولين أردنيين بتقارير متعددة تتحدث عن عمليات غير شرعية لها علاقة مرة بتجارة التبغ العابرة لحدود دول الإقليم ومرة بتجارة سلاح تصادف أحياناً أنه سلاح أمريكي، ومرة باختراقات حصلت لصالح دول ومنظمات معادية للمصالح الأردنية أو مختلفة معها ولها علاقة بإيران وحزب الله أو غيرهما.
ومرة أخيرة لها علاقة بنفوذ مقلق للعلاقة بين عناصر في التجربة السياسية الأردنية تكرس المال السياسي والنفوذ الإداري البيروقراطي وأحياناً الأمني.
لحق البلاد ضرر كبير بسبب تشكل طبقات نافذة تستثمر في هذه المعطيات، وشكلت هذه الطبقات طوال الأعوام السبعة الماضية على الأقل مصدراً لإنتاج الإحباط الداخلي والسؤال الخارجي المحرج سواء في واشنطن أو في لندن أو في غيرهما.
لذلك، كان الوقوف على محطة الاشتباك الأمني مع الظاهرة ضرورة وطنية ملحة تعبر عن الاستجابة لحالة متردية.
ولذلك بالمقابل تطلب الأمر تقنية سياسية جديدة في التعديل الوزاري الأخير تجعل وزارة الداخلية حلقة داعمة لمجهود المستوى الأمني اللاحق، خصوصاً عندما يتطلب الأمر الاشتباك مع بعض التداعيات التي نتجت عن التراخي سابقاً في مواجهة شبكات النفوذ والاتجار غير الشرعي خصوصاً في السلاح.
من هنا تحديداً يمكن قراءة عودة الوزير سلامة حماد. ومن هنا تحديداً أيضاً يمكن قراءة رسالتين وجهتهما السلطة بعد أقل من 84 ساعة على تكليف حماد؛ الأولى بعنوان انتهاء الصمت على ظاهرة إطالة اللسان في سياق مشهد الحراك والحراكيين. والثانية لها علاقة بخطة مستعجلة تحت عنوان جمع السلاح الفردي غير المرخص وغير الشرعي في ظلال نمو وتزايد الاهتمام الأمريكي لإعادة إنتاج المشهد في الأردن. وعليه، اعتقلت السلطات ثلاثة نشطاء حراكيين من أصحاب الصوت المرتفع.
وعليه، تم تفعيل تهمة إطالة اللسان مجدداً قبل إبلاغ الشارع الأردني ضمنياً بأن صفحة حمل السلاح غير المرخص وإطلاق الرصاص ستطوى قريباً جداً.