الأردن: هل بدأ «العد العكسي» لرحيل الحكومة؟… «توبيخ» ضمني لطاقم الرزاز وغضب في الشارع والبرلمان والقصر
بدت الأوراق سياسياً وحكومياً مختلطة تماماً بعد ظهر أمس الثلاثاء بالنسبة لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، بعدما ظهرت ملامح جملة اعتراضية ونقدية ملكية يمكن اعتبارها «توبيخية» بصورة مباشرة لأداء الحكومة عندما تعلق الأمر بالسخط الشعبي الناتج عن تعيينات غريبة في مناصب عليا. جملة الملك عبد الله الثاني اعترضت علناً وبوضوح مساراً خاطئاً في قرار حكومي من الصعب تفسيره عندما ترأس بصورة غير مقررة سابقاً جلسة طارئة لمجلس الوزراء اضطر الرئيس الدكتور عمر الرزاز لعقدها بضغط من الديوان الملكي لمراجعة قرارات تعيين صدرت وأثارت موجة عاتية من الاحتجاج لأربع من وظائف المؤسسات العليا.
الخبر الرسمي عن تلك الجلسة الطارئة تضمن رسائل ملكية مباشرة تماماً تطلب أهمها حضور الملك الشخصي لرئاسة الجلسة بعد قرار الرزاز تعيين أربعة أشقاء لنواب في مناصب عليا.
«تعيين أربعة أشقاء لنواب» تحولت قضية «رأي عام» والملك ينتقد
الملك، وحسب الخبر الرسمي، وجه الحكومة بضرورة التعامل بشفافية وعدالة مع التعيينات، وأكد على معيار الكفاءة في اختيار المناصب العليا، في إشارة ضمنية إلى غياب هذا المعيار عن آخر وجبة من تعيينات الرزاز العليا. المرجعية الملكية أمرت في المناسبة ذاتها بأن تشرح الحكومة للمواطن قراراتها اليوم وعلى الفور مع إعادة النظر في أي تعيين غير مستحق.
بمعنى آخر، الخطاب الملكي يأمر الرزاز وطاقم الوزارة بتقديم شروح للناس مقنعة وعادلة أو التراجع عن قرارات التعيين. تلك صيغة سياسية تتجاوز في مضمونها الأعمق التوبيخ الضمني المعتاد. والسبب في جملة الاعتراض الملكية هو الاشتعال الملتهب والحاد في المناخ الشعبي وعبر منصات التواصل الاجتماعي بعد قرار غريب جداً لمجلس الوزراء بتعيين أربعة أشقاء لنواب في مناصب عليا.
الغامض والغريب وغير المألوف في هذا القرار هو أنه اتخذ في جلسة واحدة وفي يوم واحد وخلال ساعتين فقط ودون شروحات ودون اعتماد على معيار واضح باسم الكفاءة أو المهنية. الأغرب أن قرار تعيين الأربعة غير مسبوق على هذا النحو الدراماتيكي بيروقراطياً، لا بل يخالف – وهذا ما تلمح إليه المرجعية الملكية- أسس التعيين في المعايير التي أعلنها الرزاز نفسه، حيث مقابلات معمقة وفنية وعروض تعلن أمام جميع الأردنيين وفحوص تبرر التعيينات. لم تتضح تلك الملابسات والاعتراضات التي دفعت رئيس الحكومة بارتكاب هذا الخطأ الفاضح والفادح.
وأغلب التقدير أن الرزاز قد يضطر، وهو ما يحصل لأول مرة في تاريخ الدولة الأردنية، للتراجع عن تعييناته إذا ما أخفق في تقديم تفسير منطقي وقانوني يزيل الالتباس للرأي العام، وهو تفسير أصبح بمثابة أمر ملكي واضح الآن.
النائب صداح حباشنة صرح بأن إجراء التعيين الرباعي وضع «الدولة في مأزق» ودفع النواب للتحرك لإلغاء هذه التعيينات. في كل حال، سياسياً يمكن القول إن دخول مؤسسة القصر الملكي على إجراء إداري أثار موجة سخط كبيرة من هذا النوع هو مؤشر حيوي على أن الغطاء يرتفع تدريجياً عن حكومة الرزاز التي أخفقت بكل حال في التفسير والتبرير والتوضيح، بمعنى أن المؤسسات السيادية تخاطب الرأي العام وتبلغ عدم رضاها عن تلك التعيينات وعن الخطأ الذي لا يمكن تبريره فيها.
وبمعنى يتدحرج إلى حد القول بأن حكومة الرزاز قدمت ذخيرة دسمة لكل من تصنفهم بمستوى خصومها والمتحرشين بها داخل الدولة وتحت قبة البرلمان وفي الحراك الشعبي، خصوصاً وأن تعيين أربعة من أشقاء النواب بنفس القرار في مناصب عليا أثار حنق العشرات من النواب الآخرين الذين توفرت لهم اليوم سابقة للمطالبة بتعيينات مماثلة.
في كل حال، إن تدحرج هذه القضية وبروز إشارة توبيخية علنية تسحب الشرعية من إجراء حكومي له علاقة بصلاحيات رئيس الوزراء، قد يكون مقدمة ليس للوقوف فقط عند حدود رفع الغطاء، بل يمكن القول إن العد التنازلي بدأ لتجربة حكومة الرزاز، وإن ما بقي من عمرها قد تتكفل بحرق أوراقه هي قبل أي طرف آخر مع بروز إشارات قوية على احتمالية العودة لرئيس وزراء جديد من النخبة الكلاسيكية والحرس القديم.
إجبار الرزاز على توضيح قرارات إدارية لها علاقة بتعيينات أو على سحب هذه القرارات يضعف الرجل كثيراً مهما قيل في تفسير الخطأ، ويؤشر على تدشين عملية البحث عن بديل والبحث في سيناريو تغيير وزاري بسقف زمني أقصر من المأمول.
وهو أوصل حكومته إلى هذه الزاوية الحرجة عندما أغضب بضربة واحدة كل الأطراف معاً، حيث الشارع والبرلمان والملك في الموقف نفسه من التعيين المفاجئ لأشقاء أعضاء في مجلس النواب حظي أحدهم بإدارة مؤسسة المناطق الحرة وآخر بإدارة معهد الإدارة العامة، وحظي الثالث بإدارة أهم شركة حكومية في مدينة العقبة، أما الرابع فوضعت في حضنه وظيفة لها علاقة بمؤسسة استراتيجية تراقب وتتابع مساهمات الحكومة واستثماراتها.