الأردن وقضية «التبغ ومطيع»… لا يزال العرض مستمراً ونقاشات بعنوان «كلفة» فتح التحقيق على مصراعيه
«لا يزال العرض مستمراً» .. هذا ما يمكن فهمه باختصار من الجدل الذي غرقت به الأوساط السياسية والشعبية الأردنية بعد اليوم الخامس تقريباً لتحويل ملف قضية السجائر والتبغ والدخان إلى محكمة أمن الدولة ونشر وإعلان لائحة الاتهام الرئيسية.
ويعبّر هذا الجدل عن نفسه بعدة حالات، بعضها حاد جداً ويشكّك في كل الرواية الرسمية بكل الأحداث، وبعضها باسم الحكومة يميل إلى التشكيك في كل من يشكّك وينتقد – على لسان رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز-الشطط في الميل إلى فقدان الأمل عند الشخصية الأردنية.
بين الاتجاهين، ثمة تيار راشد ومعتدل أكثر عقلانية يدعو إلى التعقل وإلى توقف إنكار حصول خطوة كبيرة ولأول مرة في التحقيق التفصيلي في ملف فساد كبير أقلق الرأي العام وبصورة ينبغي أن تسجل لحكومة الرزاز هذه المرة، في الوقت الذي تتواصل فيه عملية طرح التساؤلات وعلى أساس إبقاء ملف التحقيق مفتوحاً.
سفارات الغرب تراقب والشارع لم يعد معنياً بالسياق القانوني
ثمة عناصر سياسية لا علاقة لها بالمسار القانوني والقضائي أحاطت بهذه المسألة.
يبدو أن الاهتمام الأمريكي ثم الدبلوماسي الغربي من بين هذه العناصر، حيث الضغط من مؤسسات أمريكية للتوسع في التحقيق في قضية التبغ ورجل الأعمال القوي الغامض عوني مطيع.
وحيث السفارات الغربية تخصص جهداً ووقتاً كبيرين للاهتمام بالمسألة، وفي المقابل حرصت السلطات على إظهار جدية في التحقيق والاستدعاء، وعرض البينات على الرأي العام لأن جهاز التحقيق هنا باسم النيابة العسكرية تعامل مع الوقائع والإفادات في إطار الملموس والمقنع والقانوني بعيداً عن ضغط الشارع وتأويلات الشائعات والشعور الذي تولد عند المواطن بوجود شبكة كبيرة وأسماء أكثر من حيتان السياسة والنفوذ ينبغي أن يطالها التحقيق.
عملياً، صعب جداً إشباع رغبة الشارع الشعبي في رؤية المزيد من الرؤوس الكبيرة خلف القضبان.
ومسؤولية التحقيق في بعده القانوني والقضائي تتعامل مع الحقائق المجردة التي يمكن إثباتها بعيداً عن الشبهة والظن، كما ألمح البرلماني والكاتب السياسي جميل النمري.
بمعنى آخر، السلطات الأردنية من الصعب عليها إدارة التحقيق في هذا الملف عبر تأثير الضغط السياسي الأمريكي والغربي أو تحت تأثير الشارع وسلسلة الفتاوى التي يفترضها، الأمر الذي يفسر عملياً يأس بعض موظفي السفارة الأمريكية في عمان الذين يحاولون الادعاء بأنهم يراقبون التفاصيل.
في كل حال، ذلك لا يعني أن التحقيق توقف أو ينبغي أن يتوقف عند حدود لائحة الاتهام الأخيرة المتعلقة بنحو 29 شخصاً، فالأمر منوط بالسلطات التنفيذية ورغبتها أو قدرتها على تقديم مزيد من البينات باسم الحق العام ومحاربة الفساد.
وهذا يعني أن التركيز في قضية التبغ ومطيع على عامي 2016 و2017 قد لا يكون مثلبة بقدر ما هو انعكاس لواقع البينات، والأدلة التي توافرت حتى الآن عن هذين العامين اللذين يبدوان أنهما يشكلان زبدة المخالفات المالية والجمركية التي أحاطت بهذه القضية بعدما درست بعناية وفي إطار الالتزام القانوني الدقيق، كما تفهم «القدس العربي» من وزير الشؤون القانونية مبارك أبو يامين المصر بدوره على أن سلطة القانون والتحقيق والقضاء لا تدار بالرغبة والميول والاتجاهات والمشاعر بل بالبناء والواقع القانوني المحض والمجرد.
هنا يبقى الباب مفتوحاً أمام وجبات إضافية من التحقيق لاحقاً على ذمة القضية نفسها، لكن هيئة محكمة أمن الدولة هي التي ستقرر ما الذي ستعتمده أو تتجاهله من المعطيات التي قدمتها النيابة على مدار ما حصل خلال عامين. الافتراض موجود وخلف الستارة طبعاً بأن مركز القرار يدعم التحقيق.
لكن الحفاظ على التوازنات والتدقيق بالكلف أمر في غاية الأهمية، لأن سيف العدالة والإنصاف القانوني لا يتحقق مرة أخرى بناء على الاشتباه والظن فقط، ولأن الأمن الوطني والقومي للدولة يؤخذ – بحزم – بالاعتبار عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع سطح الأحداث فقط وفقاً لمعيار الشارع.
ويؤخذ أيضاً في الاعتبار عندما يتعلق المشهد بالكلفة العميقة لفتح حالة تحقيق بأبعاد سياسية شاملة وبصورة يمكن أن تنتهي برواج التشكيك العام والخضوع أكثر لمنصات التواصل ورغائبية الجمهور على حساب سمعة المؤسسات في معيار تؤكد «القدس العربي» بأنه كان أساسياً عندما تعلق الأمر بالتدقيق في التفاصيل في عمق المطبخ.
هذا أيضاً سلوك سياسي بامتياز، وليس قانونياً محضاً ويؤشر على أن قضية التبغ، والتي تحاكم فيها مرحلة كاملة من الأداء الجمركي والبيروقراطي، لا تزال مفتوحة على مشروع التحقيق في مراحل أخرى لاحقاً ولو بنظام التقسيط، حتى لا تفلت الاعتبارات وتنتهي بما لا يحمد عقباه.