الأمريكي يتهم الأردني بـ”الدلع الضريبي” والرد بالتذكير بـ”مغامرات واشنطن” من أيام تصدير “ثورة الخميني”
لا يمكن تحديد المسافة الفاصلة سياسيا على الأقل بين الخطاب الذي يغرق في رفع منسوب الأمل بزيادة المساعدات الاقتصادية والمالية الأمريكية تحديدا إلى الأردن وذلك الخطاب القادر على محاججة الأمريكيين ولفت نظرهم إلى دورهم السلبي في تأسيس بقاء وصمود الأزمة الاقتصادية والمالية الأردنية.
وعندما يتعلق الأمر حصريا بملف المساعدات الأمريكية إلى الأردن تبرز في السوق العديد من وجهات النظر. بعض وجهات النظر لبعض السياسيين تكتفي وبصراحة بتوسل بقاء المساعدة أو زيادتها. بعضها الآخر يلتزم بمضمون الخطاب الملكي الداعي إلى بناء الاستراتيجيات والخطط المنهجية والتحول إلى نظام اقتصاد الإنتاج ووقف الرهان حصريا على زمن المساعدات.
تلك تبدو مهمة صعبة قليلا لكنها مطلوبة وبإلحاح خصوصا وأن التعمق في طبيعة حوار خاطف حصل بين سياسي أردني رفيع المستوى وبخلفية اقتصادية وبين أبرز مسؤول دبلوماسي في السفارة الأمريكية في عمان ينتج دلالات قد تنير دروب الحكومة الحالية وتساعدها، لأن منطق الحجة وحجة المنطق قواعد عمل أصبحت مطلوبة للمشي بين الألغام.
في أحد اللقاءات حاول القائم بأعمال السفارة الأمريكية في الأردن الاسترسال في التنظير وإلقاء محاضرة لها علاقة بتصرفات الأردنيين الانفاقية فوق طاقتهم وامكاناتهم ولها علاقة بما يزعم أنه كرم السلطة في الإعفاءات من الضريبة أملا في إحراج نخبة من السياسيين وبينهم أعضاء في مجلس الأعيان.
التقط المفارقة رجل دولة من طراز رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي وتكفل بالرد على هذا المنطق النقدي الأمريكي مرتين على الأقل.
وجهة نظر الطبقة السياسية الأردنية هنا كانت تحاول تذكير الإدارة الأمريكية بحجم الضغوط على المالية والاقتصاد الأردنيين جراء مغامرات الأمريكيين في المنطقة. بمعنى التأشير ولأول مرة وبجرأة صريحة على الكلفة الباهظة للتحالف مع الولايات المتحدة وعلى صعوبة تمرير عبارات نقدية لا معنى لها في الوقت الذي تعاني فيه بنية الاقتصاد الأردني من تداعيات ونتائج واستحقاقات العبء الأمريكي.
سمع الدبلوماسي الأمريكي هنا كلاما أحرجه بدون أن يتمكن من الرد عليه والإشارات كانت واضحة باتجاه تذكير أركان السفارة الأمريكية بأن حرب الخليج التي استهدفت تدمير العراق انتهت بكوارث متعددة لم تستقر المنطقة بعدها ونتج عنها عودة مئات الآلاف من كتلة ديموغرافية كانت تعمل في الخارج. وصل الحديث في بعض التفاصيل إلى كلفة السهر الأمريكي فقط على مصلحة إسرائيل وأمنها وما يسحبه ذلك من مشكلات على حساب بقية حلفاء وأعضاء النادي الأمريكي.
انسحب المشهد أيضا على المغامرة الأمريكية بعنوان إسقاط النظام السوري حيث التقارير القديمة عام 2011 والتي حاولت اقناع المؤسسة الأردنية بالاستعداد لمرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد وخلال ستة أشهر فقط وهنا برزت على حد تعبير المحلل الاستراتيجي والسياسي الدكتور عامر السبايلة ملامح الخديعة والكذبة الكبرى.
في مقاييس النقاش عند الرفاعي وغيره تم التطرق إلى المغامرة الأمريكية في سوريا والتي انتهت بنحو مليون لاجئ سوري ضغطوا بشدة على الاقتصاد والبنية التحتية الأردنية.
المغامرات في العراق أيضا في مرحلة ما بعد الرئيس الراحل صدام حسين انتهت بالنتيجة نفسها من الحصار على الاقتصاد الأردني بعيدا عن ما يسميه الباحث في شؤون الحركات الإسلامية معتز العمري مغامرات الاستخبارات الأمريكية والغربية وأحيانا التركية في استنساخ تنظيمات إرهابية ولأغراض سياسية بائسة انتهت بثقل اقتصادي كبير على دول صغيرة مثل الأردن ولبنان.
الحوار الصاخب نفسه طال أيضا أكبر المغامرات الأمريكية في الماضي حيث إشغال النظام الرسمي العربي الذي يدور في فلك واشنطن بأزمة مفتعلة وبنكهة طائفية مع إيران بعدما أسقط الأمريكيون أصلا ولأسباب يعرفها الجميع حليفهم السابق في نظام الشاه الإيراني وبالتالي ساهموا في تصدير ثورة الخميني وفيما سماه لاحقا العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالهلال الشيعي.
بمعنى آخر سمع القائم بأعمال السفير الأمريكي في العاصمة الأردنية وبصورة نادرة حديثا لا ينطوي على مجاملات عن دور بلاده في صناعة وإنتاج أزمة الاقتصاد الأردني. وعن غياب البعد الأخلاقي في تحمل مسؤولية المشهد والأهم عن غياب الذوق السياسي في التنظير على الأردنيين وإلقاء المحاضرات عليهم بعنوان الدلع الضريبي والتصرف خارج الامكانات.
وبمعنى آخر أيضا قيل للدبلوماسيين الأمريكيين بأنهم عمليا مسؤولين عن إنتاج أزمة الخزينة الأردنية وبالتالي لا فضل لبلادهم تحت عنوان تقديم المساعدات المالية لأن هذه المساعدات سواء زادت أو نقصت وظيفتها في الأصل التعويض عن ما يسميه عضو البرلمان خليل عطية بحماقات الأمريكيين في إدارة المنطقة.