السعودي يشكر الله على «الجوار الأردني»
شعب شقيق تمثله «أغنى دولة نفطية في العالم» يقر بالخبرات الأردنية والعقل الطبي الأردني ويصطاد تلك المفارقة حيث توجد أجهزة ومعدات بمليارات الدولار لكن لا توجد كفاءة سعودية تستطيع الاستفادة منها او تشغيلها
ختصر الفتى السعودي المسافة برمتها امام الكاميرا وهو يقترح ببساطة نقل المعدات والأجهزة الطبية الموجودة في مستشفيات القريات وتبوك إلى «الأردن الشقيق» مقابل علاج السعوديين بها.
سأل المذيع الفتى المتدفق: لماذا؟.
أجاب باختصار وحماس: «يا أخي واضعين اجهزة عنا وما يعرفون يشغلوها.. هاي تبغي عقول تشغلها..إحنا عنا أجهزة والحمد لله في الأردن عقول طبية تشخص وتساعدنا».
ختم الفتى مداخلته قائلا: «والله يا أخوي ينقلوها احسن إلنا ويستفيد منها الاخوان في الأردن ويساعدونا».
كان ذلك المشهد جزءا من برنامج تلفزيوني تناقله أردنيون وسعوديون بكثافة خلال الأسبوعين الماضيين عن «التراجع الطبي العلمي» في مناطق كثيرة في المملكة العربية السعودية والتقدم الطبي في بلد مجاور وفقير مثل الأردن.
أثارتني المفارقة كأردني بطبيعة الحال وأشعر بالفخر لأن شعبا شقيقا تمثله «أغنى دولة نفطية في العالم» يقر بالخبرات الأردنية والعقل الطبي الأردني ويصطاد تلك المفارقة حيث توجد أجهزة ومعدات بمليارات الدولار لكن لا توجد كفاءة سعودية تستطيع الاستفادة منها او تشغيلها.
لم يصدر ذلك عن الإعلام المناهض للعهد الجديد ولا عن الإعلام الممول الذي يستهدف الإصلاح في المملكة الشقيقة ولا عن تلك الشعوب التي تشعر بالغيرة الشديدة ولديها حقد طبقي لأنها ليست سعودية.
بل صدر عن سعوديين وعلى محطة سعودية يقولون إنهم يتحركون بسياراتهم مسافة 150 كيلومترا مربعا في حالة المرض للحصول على «خدمة طبية حقيقية» ويشكرون الله علنا على «نعمة الجوار الأردني» وهو ما لا تفعله قياداتهم بكل حال.
من تحدث بذلك مواطنون سعوديون وليس من تلك الشرائح التي تؤيد الرئيس السجين محمد مرسي أو تلك التي تعادي وتخاصم مشاريع «نهضة البحر الأحمر» أو تعارض قيادة المرأة السعودية للسيارة.
لا ينتمي هؤلاء للفكر التكفيري ولا لأعداء او خصوم المنطقة في إيران والخليج وتركيا والعالم وبالتأكيد هم ليسوا اعضاء في حزب التقدم والعدالة وأغلبهم من الفقراء المهمشين في مملكة خادم الحرمين الشريفين.
هم مواطنون بسطاء قالوها بأكثر اللهجات بساطة.. «توجد معدات طبية لكن لا توجد عقول تشغلها».
المفارقة في الأردن توجد «عقول» لكن لا توجد أجهزة طبية بنفس الكفاءة.
بالنسبة للشقيق السعودي هنا حصريا نفهم الاصلاح والنمو والتغيير بمعنى التخلص من غرور الادارة والعمل على صناعة وتدريب عقول سعودية…هذه هي السعودة الحقيقية للوظائف وليس منافسة المراسلين والموظفين الإداريين ومطاردة العمال المساكين.
هنا حصريا أتفهم «السعودة» وأدعمها اذا كانت ستمنح الفتى المشار اليه حقه في الحصول على تشخيص طبي عميق لحالته في حال تعرضه لا سمح الله او اي سعودي لمرض.
شخصيا لا أصدق أن صاحب قرار سعودي يتحدث على الهواء مباشرة لامرأة إلكترونية «روبوت» ويمنحها الجنسية السعودية وهي مصنعة في الصين او الهند او اي مكان آخر في الوقت الذي لا يجد فيه مواطن في قرية عرعر معالج أشعة خبير في قسم غسيل الكلية او قسم الجراحة العامة بالرغم من الثراء الفاحش للأمراء والدولة خلافا للأردن الدولة الفقيرة التي تستطيع تصدير آلاف الخبراء الطبيين.
وحتى لا نواجه الاتهام المعلب بالاصطياد في المياه السعودية وعلى سيرة «العقول الطبية» الأردنية لابد من اعادة التذكير بالوجه الأردني لنفس المفارقة الطبية بامتياز.
جهة ما قررت قبل ثلاث سنوات وضع «قيود على تأشيرة» المرضى الذين يحضرون للمملكة الأردنية الهاشمية من اربعة بلدان تستفيد من العقول الطبية الأردنية وبدواعي محاربة الإرهاب والتركيز على البعد الأمني.
بقرار إداري صغير من هذا النوع طال المرضى من اليمن وليبيا والجزائر والسودان خسر القطاع الطبي الأردني مليارات الدولارات التي كان يمكن ان تساهم في رفد الخزينة وخفض عجزها بدلا من «اللت والعجن» بقصة الضريبة وشقيقاتها.
طبعا استفادت من المشهد المشافي التركية التي بدأت بإستقطاب الزبائن الذين كانوا يدفعون في الأردن مئات الملايين من الدولارات.
تابعت شخصيا هذا الملف وعشرات المرات وخلال الاعوام الثلاثة لم يتمكن نخبة من كبار الاطباء ولا مؤسساتهم التمثيلية ولا انا ولا الصحافة ولا حتى ثلاث حكومات متعاقبة من تحديد «تلك الجهة» التي اتخذت القرار الخاص بتلك التأشيرات.
المثير جدا والغريب ان جميع المسؤولين وفي كل المستويات الأمنية والسياسية ومن ذلك الوقت يعربون عن استيائهم من هذا القرار ويعتبرونه «خطأ فادحا».
ويطالبون بمراجعته ويشمل ذلك اصحاب القرار التنفيذي الاول في السلطات الثلاث وفي المستويات العابرة لها.
الأغرب بعمق هو ان القرار وحتى كتابة هذا الرأي «لم يتغير» بعد بالرغم من ان المستشفيات في القطاع الخاص «تدب الصوت» وخسرت مئات الملايين وحرمت الخزينة من العشرات.
وبالرغم من كل الكلام الانشائي عن «استعادة السياحة العلاجية».
لافت جدا بالنسبة لي ان يستنكر كل المسؤولين وفي ثلاث حكومات متعاقبة الخطأ المشار إليه دون ان يعرف القوم لماذا اتخذ القرار ومن الذي اتخذه؟..والأكثر حساسية دون اي اشارة من اي نوع تفيد بان صاحب القرار اليوم في الحكومة المصر على أن القرار خاطئ باتجاه تصويب القرار أو إلغاءه او مراجعته مع أنه لا يحتاج لأكثر من «جرة قلم».