المعشر- بني إرشيد: علاقة بين التيار الإسلامي والتيار المدني في الأردن مشروع طموح يخاصمه الجميع
وجد الإخوان المسلمون في الأردن أنفسهم داخل معادلة معقدة نسبيا اضطرتهم طوال العامين الماضيين للبقاء في أقرب مسافة ممكنة من تجنب أي صدام جذري مع الدولة بالتزامن مع استراتيجية خاصة لعزل الذات والحرص على “مراجعة” قبل الانطلاق بمبادرات سياسية وإعلامية هادئة نسبيا تظهر سعي الجماعة لـ”مصالحة” شاملة لا تشمل الدولة والسلطة فقط بل القوى والأحزاب والنقابات والتيارات الأخرى.
فكرة القطب الإخواني البارز الشيخ زكي بني إرشيد عن البقاء في مسافة ملاصقة أحيانا وقريبة أحيانا أخرى من رائد التيار المدني الأردني والأب الروحي له الدكتور مروان المعشر كانت حلقة ضمن مسلسل “تقارب وتجديد” الفكرة والأدوات، والأهم إعادة إنتاج الصورة النمطية عن الإخوان المسلمين.
يقر الشيخ بني إرشيد في حديث مفصل لـ”القدس العربي” بارتكاب أخطاء من قبل تنظيمات الجماعة في ساحات عدة إبان مرحلة الربيع العربي. ويقر بأن المراجعة ضرورية وإيجابية وملحة وأن الحركة الإسلامية في الحالة الأردنية كانت وستبقى جزءا حيويا من النسيج الوطني العام وعليها واجب المشاركة والبناء والتقارب مع جميع الأطراف.
عمليا لم ينتج عن الثنائي المعشر- بني إرشيد أكثر من تبادل أفكار ومجاملات وإيحاء عام متبادل بأن الطرفين يقبلان بعضهما ويقران بحجم كل منهما ويظهران الاستعداد للعمل المشترك.
طبعا ذلك بالتزامن مع تنظيم حوارات وإنتاج حالة خاصمتها وحذرت منها الأجهزة الأمنية في كل الأحوال، في الوقت الذي تبين فيه أن مسألة التشبيك بين تيارات ليبرالية ومدنية وأخرى إسلامية لا يمكنه أن يزيل تراث تاريخ كامل من التباعد أو يفتح آفاقا للتعاون.
على نحو أو آخر نجح بني إرشيد وخلال أسابيع قليلة في إقناع شركاء معتدلين له داخل الحركة الإسلامية بأهمية ومكاسب أنماط الانفتاح على القوى الأخرى ضمن استراتيجية المراجعة.
ونجح المعشر بصرف النظر عن النهايات في إنتاج أول حالة سياسية يتحاور فيها ليبراليون ورموز تيار مدني مع رموز في التيار الإخواني أو الإسلام السياسي.
لكن الدرب هنا كانت مليئة بالتشكيك والمشكلات.
العلاقة التواصلية بين المعشر وبني إرشيد “لم تعجب” العديد من الأطراف خصوصا في الأوساط العميقة التي تعتبر الرجلين قطبين في خانة “الخصومة” مع خيارات الدولة ومزعجين ومن الصعب إظهار الثقة بهما بالرغم من أن المعشر تقلد أرفع المناصب في الدولة وبني إرشيد أظهر جملة عميقة ووطنية ومعتدلة وهادئة وخالية من النوازع الانتقامية أو الثأرية بعد خروجه من السجن لمدة عام في قضية كيدية لا مبرر لها عرفت باسم قضية الإمارات.
علاقة المعشر ببني إرشيد كانت إضافة إلى “الملف السوري” من الأسباب التي فجرت خلافات داخل التيار المدني ودفعت بعض نشطائه للعمل في الاتجاه المعاكس للدكتور المعشر الذي أكثر في الآونة الأخيرة بدوره من الإقرار بأن المكون الإسلامي أساسي في المعادلة الوطنية والاجتماعية ولم يعد من اللائق ولا المطلوب تجاهله وإنكاره.
حاول الرجلان صياغة شكل من أشكال ميثاق العمل وتوفير مساحة فكرية وسياسية تسمح بالعمل المشترك.
لكن كلا منهما يواجه مشكلات داخلية مع التيار الذي ينتمي إليه، فقد بدأت مبكرا محاولات عزل المعشر وعدم تقدير دوره ومكانته وجهده حتى من قبل أكثر المقربين إليه من الذين استقطب بعضهم هو للتيار المدني.
وتعرض بني إرشيد لمحاولة عزل وتحرش تنظيمية شرسة داخل الجماعة على خلفية المشاركة في الانتخابات الأخيرة قبل إصدار عقوبة داخلية ضده تنكر عمليا دوره البارز في المراجعة.
وكلاهما يواجه قصورا في فهم الدلالات العميقة التي يطرحانها.
والحيثيات تؤكد أن توحيد الجهود بين الإسلاميين ورموز التيار المدني حتى في الحالة الأردنية وبعد عقود من الخصومة المستمرة والعداء السياسي المستحكم وتبادل التشكيك ليس مهمة سهلة على الإطلاق بل أصعب بكثير من المتوقع.
على نحو أو آخر يقر أصحاب المبادرة بذلك الآن لكنهما يؤشران على النفس الطويل وضرورة فعل شيء لمواجهة ما يسميه المعشر حالة الاستعصاء في الداخل، وما يطلق عليه بني إرشيد بدوره “أزمة من يعلق الجرس”.
على هامش التقارب بين التيارين حصلت مشكلة داخل التيار المدني المنقسم والمنشطر على نفسه. والتيار في طريقه لسيناريو “الانشقاق المرخص” الذي عانى منه الإخوان المسلمون قبل عامين.
ومع وجود آمال شخصية بالمتابعة وإكمال المسيرة تمهيدا لحالة انتخابية يمكن الحديث فيها عن قائمة وطنية شاملة تكتسح وتمثل جميع الأطياف والأطراف، لا يزال السؤال مطروحا حول هوية ذلك المشروع الفكري الذي يمكنه فعلا ان يوحد التيارين في الحالة الأردنية المعقدة.