رئيس الديوان الملكي «يمتصّ» غضب المحتجين الأردنيين بشعار «الوظيفة حق»… ويحرج حكومة الرزاز
مسيرة «مانديلا» الأردنية عبر الطريق الصحراوي انتهت مجدداً بصيغة دراماتيكية سياسية تنطوي على دلالات مضادة لحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز، وإن كانت بكل الأحوال تستعير ما تخزنه الذاكرة دوماً من حلول قد تكون «متسرعة» وعلى الطريقة المحلية والعشائرية التي تبدأ بعبارة «إبشر باللي جيت فيه».
الكاميرات سجّلت أحداث «دراما مانديلا الصحراوي» و«جهات عليا» تعهدت بتوظيف مسيرة المشاة
الدراميات عبر الطريق الصحراوي شملت شاباً يؤكد أمام الكاميرا أنه لا يملك في جيوبه ديناراً واحداً، بينما محتج آخر هدد بالعودة إلى منزله وإحراق أولاده الأربعة… وثالث تلفح بالشماغ الأحمر لإظهار نفسه بصفة «طلاب حق»، ورابع كان يخطب بالموجودين عن الأموال التي نهبوها وحقه في وظيفة تسد الرمق على الأقل.
سمع رئيس الديوان الملكي الأردني، يوسف العيسوي، وهو الرجل الأول في طاقم الديوان الملكي، مبكراً كل هذا الصخب. وتابع، قبل ذلك، ستة أيام من الانفعال الدرامي على الطريق الصحراوي الدولي، حيث دهس أحد الشبان وتوفيت زوجة آخر ورفض حضور جنازتها.
هذا تماماً ما حصل عندما قرر لاعب يزداد عمله تسييساً هو العيسوي، احتواء وملاقاة أول مسيرة احتجاجية تزور مكاتبه في العاصمة عمان مشياً على الأقدام، ومن محافظة العقبة أقصى جنوب المملكة، وبعنوان يتيم لا يقبل الالتباس وهو»البحث عن وظيفة».
انتظر العيسوي، ومعه جهازه الاستشاري، ستة أيام كاملة حتى حطت القافلة المرهقة لعاطلين عن العمل على أبواب الديوان الملكي، فيما كانت وعلى أسوار المكاتب الملكية كاميرات الهواتف التي رصدتها «القدس العربي» تنقل على الهواء بعض المشاهد الدرامية، حيث عضو البرلمان النشط خالد رمضان بمشهد ميداني فريد يتفقد الحراكيين الانتحاريين فيمسح على رؤوس بعضهم ويطالبهم – بسبب الإعياء الشديد – بالابتعاد قليلاً عن حافة الطريق حتى لا تدهسهم الشاحنات. وأغلب الظن أن طاقم العيسوي لديه تقارير مفصلة من المستوى الأمني، واستمع للقائد الحراكي العاطل عن العمل وهو يهدد، وسط ليل الصحراء، بإعاقة الطريق الدولي وتكديس الشاحنات.
المشهد لا تنفع معه تكتيكات حكومة التيار المدني، ولا يصلح أو يصح التعاطي معه بطريقة صريحة كان قد قررها مسبقاً رئيس الحكومة عمر الرزاز.
التقط العيسوي – وهو رجل خدم طوال عمره في القصور الملكية ويبدأ دوامه الرسمي منذ عقود قبل السابعة صباحاً – الرسالة وقرر التصرف بطريقة لا يمكن وصفها إلا بأنها «مثيرة للإعجاب»، واستطاعت «احتواء دراما مانديلا الصحراوية» عبرالاستعارة من «معلبات التراثيات» المألوفة وبصرف النظر عن النتائج بعد شهرين مثلاً. وببساطة شديدة، استقبل العيسوي المشاة المنهكين على أسوار مكاتبه باعتبارهم ضيوفاً على «ديوانهم الملكي»، وأبلغهم قبل كل شيء بأن حافلات ستعيدهم إلى بيوتهم في الجنوب.
الأهم هو البلاغ التالي للعيسوي: كل شاب متعطل عن العمل في العقبة دون سن الـ30 سيتم تعيينه في أحد الأجهزة الأمنية الأربعة، وكل من هو فوق هذه السن سيتم تعيينه في شركات القطاع الخاص وبرعاية الديوان الملكي. بمعنى آخر، قبل العيسوي فكرة أن «الوظيفة حق» لمن يطالب القصور بها هنا، وتحدث عن أسبوعين سيتم تدبير كل التفاصيل خلالهما. وبمعنى أدق وأكثر خصوصية، ضرب الرجل المحنك وبدقيقتين فقط كل تلك المنهجية التي يتحدث عنها الرزاز وصندوق النقد الدولي بخصوص «تضخم» جهاز القطاع العام.
وأطلق بالتوازي منطقاً يقول بأن جهات عليا ستتدخل لدى القطاع الخاص لتدبير وظائف للأردنيين، وبصرف النظر عن احتياج القطاع لهذه الوظائف وعن مسارات الاستثمار والتنمية الاقتصادية.
مجدداً، هنا ظهر بأن «الحلول» ومبادراتها عند طاقم الديوان الملكي وليس عند الحكومة وأصحاب الخطط. واللهجة «اليقينية» التي تحدث بها العيسوي حاسماً وحازماً مع ضيوفه الباحثين عن العمل من أبناء العقبة توحي ضمنياً وعلى أقل تقدير بأن مسيرة الصحراوي إياها «سمح بها» حتى تنضج الترتيبات، لأن جرعة الحسم في لغة العيسوي ووعوده توحي تماماً بذلك.
ولأن – وهذا الأهم – القطاع الخاص في العقبة، حيث هي مدينة اقتصادية مغلقة ونشطة، لم يشارك في التشاور أصلاً في رهان من الواضح أنه على دور ما عبر الاسترسال في الاحتواء سيلعبه الرئيس الجديد لسلطة إقليم العقبة نايف البخيت، وهو بالمناسبة سبق أن عمل بمعية العيسوي مطولاً.
عموماً، الالتباس السياسي والبيروقراطي الناتج عن تركيب المشهد يبدأ مع الغياب الكامل لمجلس الوزراء عن المسألة ويمر بأسئلة لا يريد صانع القرار التفكير الآن بإجابتها من طراز: هل توجد وظائف مستحقة أصلاً؟ هل من المفيد العمل بقصة التوظيف وفقاً لمعلبات الماضي؟ وهل خطوة العيسوي دعوة لتحرك العاطلين عن العمل في بقية المحافظات بنفس السياق الدرامي؟ أخيراً، من سيتحمل الكلفة إذا لم تتدبر الوظائف فعلاً؟
بعيداً عن تلك الأسئلة، وعن تفاصيل أزمة العقبة والعاطلين عن العمل فيها ومسارات ملف مانديلا الأردني ودرامياته، يمكن وببساطة القول إن ما حصل قد يكون «المدماك» الأول في حفر قبر تجربة الرزاز، وأولى خطوات التمهيد لإظهارها «غير قادرة» على التصرف واحتواء المشكلات، ما يمهد لطيّ صفحتها.