رباعية «كوشنر والسيسي ونتنياهو وبن سلمان» تخنق الأردن قبل الحرص على «أضعف تمثيل» في مؤتمري وارسو وشرم الشيخ
تهنئة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنجاح قمة شرم الشيخ العربية – الأوروبية مؤخراً رسالة سياسية بامتياز تحاول تذكير القيادة المصرية بأن غياب الملك الأردني عن اللقاء خطوة معزولة عن الجانب الثنائي في العلاقات ولا علاقة له بانضمام مصر إلى مسلسل التحفظ الأردني الذي بدأ في ومع وارسو وانتهى بشرم الشيخ.
في الأثناء، يمكن القول إن الأردن يريد أن يقول لدول المحور السعودي إنه متحفظ على مسار الخطة الأمريكية السعودية الإسرائيلية في مرحلة ما بعد وارسو، لكنه ليس بصدد أي صدام أو صراع أو الإعلان عن أجندة مخاصمة، خصوصاً وأن جاريد كوشنر – الذي يشتم كثيراً في عمان مؤخراً- يستثني عمان مجدداً من جولته الجديدة والتسويقية في الشرق الأوسط وهو يضع رجله في «المحطة التركية». بكل حال، واضح أنه لا يوجد «محفز قوي» يدفع الأردن للحرص على تمثيل رفيع المستوى أو تمثيل ملكي لقمتين يعتقد في عمان أن وظيفتهما تتقاطع مع المصالح الأردنية العليا عندما يتعلق الأمر بتكريس «التطبيع» مع إسرائيل حصرياً.
رهان على «جهل» الطاقم الأمريكي ودور العمق في واشنطن وتل أبيب
وبالتالي، إبقاء حالة الضغط على القيادة الفلسطينية التي تتحفظ على مجمل المشروع الأمريكي الجديد وتقاطعه وتحظى خلافاً للعادة هذه المرة بإسناد ودعم أردنيين. خلف الستارة والكواليس تبدو عمان، وكما رشح من لقاءات ملكية مغلقة، متأكدة بأن أي مشروع لعملية السلام بصرف النظر عن هويته وملامحه لن يكتب له النجاح بدون العودة في المحصلة والنهاية للسقف الفلسطيني.
قيل بجرعة مكاشفة في أحد تلك اللقاءات بأن «مشروع كوشنر» من الصعب تخيل عبوره لسببين: أولاً، يتجاهل تماماً مبدأ عملية السلام والتعايش والتطبيع، وهو دولة فلسطينية متكاملة وناضجة.
وثانياً، لا يبدو واقعياً بسبب تجاهله الكبير لمصالح وإرادة وموقف واتجاهات الشعبين الأردني والفلسطيني.
الأهم في مقاربات قراءة أردنية معمقة لمسار الأحداث خلف الأبواب المفتوحة هو القناعة بأن طاقم كوشنر يتقدم لدول المنطقة وزعاماتها بمشروع تسوية من الصنف «الجاهل والذي لا يمكنه النجاح» ويعكس جهلاً شديداً باعتبارات وظروف المنطقة الاجتماعية والاقتصادية، وقد يساهم في الإبقاء على الذريعة الأولى التي تؤدي لتذخير مجموعات الإرهاب المسلح المتشددة.
تتحرك عمان بجرأة ملموسة دفاعاً عن مصالحها وتحدد ترسيماً لمستوى مشاركتها في لقاءات واجتماعات دولية لها علاقة بإسرائيل وإيران والقضية الفلسطينية، على أساس القناعة بأن مشروع كوشنر، سواء في الجزء المتعلق بـ «صفقة القرن» أو الجزء المتعلق بالتصعيد ضد إيران فيه، يبقى في المحصلة ليس مشروعاً تتوافق عليه المؤسسات الأمريكية العميقة التي تملك الخبرة الأكبر في المنطقة.
بمعنى آخر، يراهن الأردنيون على أن ترتيبات كوشنر المثيرة، التي تتجاهل عمان ومخاوفها وملاحظاتها، تمثل الرئيس الأمريكي عائلياً وشخصياً أو الجناح النافذ القريب منه، ولا تمثل البنتاغون مثلاً أو قوى الكونجرس أو جهاز الاستخبارات. تلك مراهنة تنطوي على مجازفة كبيرة في حسابات مستويات النفوذ الأمريكي.
لكنها مراهنة اضطرارية، خصوصاً بعدما سمعت «القدس العربي» مباشرة من أحد أركان مجلس السياسات الأردني ما يشير إلى أن ما يقترحه ترامب وكوشنر بخصوص القضية الفلسطينية تحديداً لا يمكنه أن يقنع أيضاً مؤسسات العمق الإسرائيلي في الجناحين العسكري والأمني، ومن الصعب إقناع المؤسسات الأمريكية العميقة فيه ولا الكونغرس.
السؤال الذي يطرحه ملاحظون من وزن ثقيل مثل السياسي المخضرم طاهر المصري هو الآتي: ماذا إذا أخفقت مؤسسات ما يسمى بالعمق الأمريكي والإسرائيلي في مواجهة خطوة ترامب وكوشنر وبدأ الجميع يتعامل مع التصور الأمريكي باعتباره سقفاً لـ «خطة أمريكية جديدة لن تفشل كسابقاتها» بسبب عناد ترامب ونشاط نتنياهو واليمين الإسرائيلي؟
يؤشر كثيرون هنا إلى أن العنصر الجديد والأكثر تحفيزاً للإدارة الأمريكية يتمثل في وجود «ترتيب سعودي» يمكنه أن يخدم السياق نفسه، فالعهد السعودي الجديد يتحرك بطريقة توحي بأنه مستعد للريادة والقيادة في مجال التطبيع مع إسرائيل، ومجاناً وبدون «دولة فلسطينية» حقيقية، الأمر الذي يشكل خطراً استراتيجياً على الأردن والفلسطينيين معاً، ويبرر في النتيجة البرود الشديد في العلاقات بين الأردن والسعودية. كما يبرر المخاوف من الحراك الالتفافي المحتمل لكوشنر وطاقمه عبر تركيا.
وهنا مجدداً تحاول المؤسسة الأردنية، وهي تشعر بالمخاطر وتثيرها هواجس الترتيبات الأمريكية بمعزل عن عمان وعبر الرياض مع محاولة استدراج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بعدما شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي بالحفلة كاملة وبدعم من الأمير محمد بن سلمان… تحاول الإمساك بالعصا من مسافة المنتصف فتعلن تحفظاتها وتقول موقفها عبر المشاركة «الرمزية» في مؤتمري شرم الشيخ ووارسو، خوفاً من الرعب السياسي الذي يثيره الرباعي المشار إليه.