رسالة تكشف المستور: الأردن بين تداعيات “الولاء المسموم” والتعبيرات “الشتائمية” في الحراك
تبدو لغة وأدبيات ولهجة ناشط سياسي ورمز وطني من طراز صلاح الزعبي، ملموسة في البيان النادر الذي صدر باسم ممثلين لقيادات مدينة إربد شمالي الأردن بخصوص حادثة ليث شبيلات وندوة صدام حسين، واضحة المعالم.
الزعبي ورفاقه من الموقعين على تلك الرسالة وعددهم بالعشرات التقطوا ما هو جوهري في مظهر البلطجة التي برزت عند محاولة إفساد ندوة لها علاقة باستذكار الرئيس الراحل صدام حسين. وقال المعنيون في موقفهم المرسل إلى رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز الكثير.
لكن النقطة الأهم في سياق التعبير والتي ترد تقريبا لأول مرة هي تلك التي تتهم صراحة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية برعاية مجموعة أشخاص بالزي المدني حاولوا التعرض للمعارض ليث شبيلات وأفسدوا قصدا أمسية استذكار صدام حسين وبدون وجود للأجهزة الأمنية أو دور لها وحتى بدون تحقيق رسمي في الحادث.
الإشارات الملغزة والملغومة في تلك الرسالة الهامة كانت ناعمة الملمس وهي تحذر حكومة النهضة الوطنية وبلغة غير مباشرة من لجوء بعض الإجراءات البيروقراطية ولأسباب أمنية صغيرة إلى العبث بوحدة النسيج الوطني الأردني وبالعلاقات بين مكونات المجتمع وعشائر الدولة.
ما لم تقله لكن ألمحت إليه بجرأة رسالة الزعبي ورفاقه إلى الرزاز، هو التحذير من العبث تحت ضغط أجندة أمنية بالورقة الجهوية والعشائرية والسبب هنا أن من حاولوا الاعتداء على الشبيلات والموصوفين بأنهم بلطجية بالزي المدني أعلنوا انهم ينتمون إلى قبيلة بني هاني من شمالي الأردن فيما من تعرض للاعتداء هو أبرز معارض من عشائر الجنوب.
تلك لعبة محفوفة بالمخاطر أشارت لها رسالة التحذير للرزاز مع لفت نظره إلى أن السماح باستمرار هذه اللعبة قد ينتهي إلى ما لا تحمد عقباه.
مثل هذا النمط في تحذير الحكومة والسلطة غير مسبوق ويلفت النظر ضمنيا إلى كلفة وتداعيات اجتهادات الحكام الإداريين في الأطراف ومسؤولي الفروع الأمنية وهم منشغلون بالإيحاء بأن نواحيهم ومدنهم ومحافظاتهم خارج سياق الحراك الشعبي أصلا.
ليس سرا عند الحفر في الأعماق أن مناطق شمال الأردن لم تعرف بالجهد الحراكي رغم كثافتها السكانية المرتفعة وأن أصحاب الصوت المرتفع من الحراكيين والمعارضين أغلب نشاطهم في بعض بلدات جنوب البلاد وفي عمق مدينتي عمان العاصمة والسلط.
ما تقوله ضمنيا رسالة رموز مدينة إربد للرزاز هو ان السماح بإحراج البنية الاجتماعية والعشائرية عبر عدم ملاحقة متسببين في أحداث مثل تلك التي شهدتها ندوة صدام حسين من شأنه ان ينقل عدوى الحراك والاحتجاج والاعتراض مستقبلا إلى مناطق الأطراف في الشمال والتي بقيت كبنية اجتماعية طوال الوقت ومنذ أحداث الربيع العربي عام 2011 متمسكة بالمسؤولية في التصرف والأخلاقيات الوطنية المتوازنة بسبب تلاصقها الحدودي مع تداعيات وتفعيلات أزمة الجنوب السوري.
بمعنى آخر، بذل أبناء الشمال وقياداته طوال الوقت جهدا كبيرا في الحفاظ على استقرار مناطقهم حرصا على تجاوز تصدير أزمات الإقليم أي محاولات للاستثمار في الأزمات ضد خيارات الدولة.
يستحق هؤلاء في المنطق الاجتماعي الأردني الدارج إظهار التقدير الرسمي لهم بدلا من الاستثمار والتوظيف المرحلي الجزئي لبعض أولادهم من المراهقين والسطحيين ضمن تفعيلات ما يسمى بالولاء السام أو في إطار اجتهادات بيروقراطية بأجندة أمنية ضيقة تقول لأقطاب الحراك والمعارضة في عمان وبقية المناطق أنه لا مكان لهم في الشمال.
تلك المعاني والدلالات لا تتحدث عنها السلطة ورموزها لكن الجميع يفهم أعماقها وبالتالي يلفت العميقون من مناطق محافظة إربد هنا نظر الرزاز وأصحاب القرار السيادي إلى مخاطر وعواقب العبث بأوراق الجهوية والمناطقية والقبلية.
يحدث ذلك في الواقع في الوقت الذي لجأت فيه حكومة الرزاز رغم تقمصها لثوب الديمقراطية وحريات التعبير لوسائل صنفت بأنها بدائية بهدف احتواء الحراكات الشعبية من بينها ما حصل في ندوة صدام حسين في إربد. ومن بينها قبل ذلك استخدام الزفت السائل لتعطيل اجتماعات حراكية في ساحات عامة وكذلك قطع الانترنت خلال السهرات الاحتجاجية بالرغم من أن المشرف على الاتصالات هو معارض برتبة وزير وحراكي قديم يعمل مع الحكومة الآن وهو وزير الاتصالات مثنى الغرايبة.
مثل هذه التفاعلات الوقائية ضد الحراك ونشاطاته وأقطاب المعارضة قد لا تخدم السلطة والدولة وعلى الأغلب ليست في نطاق امكانيات التحكم عند حكومة الرزاز نفسها، الأمر الذي يزيد من تعقيدات الموقف الناتجة عن تلك المساحة الغامضة اليوم في أزمة الإدارة والشارع الأردني ما بين تداعيات الولاء المسموم في مواجهة تصعيدات بعض الحراك الشتائمية التي تساهم بدورها في إقلاق الرأي العام وتقليص التضامن الشعبي مع الحراكيين.