ساسة الأردن “حائرون ويتساءلون”: ما هي قصة الـ”100″ مليار وصفقة القرن؟
تطرح شخصية أردنية رفيعة المستوى بحضور “القدس العربي” السؤال التالي: ماذا لو عرضت صفقة القرن على الدولة مئة مليار دولار أو أكثر على سبيل التعويض والمشاركة في عرس عملية السلام الجديدة؟
يبدو السؤال عاكسا وبقوة لمستوى التفاعلات والتساؤلات والنميمة المنتشرة وسط النخبة الأردنية، في مؤشر على الارتباك من الآتي الذي يحذر منه الجميع رغم أن المناخ وتحديدا في بعض الاجتماعات التشاورية داخل مكاتب الديوان الملكي ألمح إلى حد ما إلى أن صفقة القرن الأمريكية قد لا تكون مستعجلة، والخلاف عليها كبير خصوصا بين الأمريكيين وروسيا والاتحاد الأوروبي.
مبكرا قال الملك عبد الله الثاني علنا إن بلاده لن توافق على المقترح الأمريكي بخصوص مدينة القدس تحديدا بصرف النظر عن أي ضغوط ومن أي نوع وبصرف النظر عن أي حصار اقتصادي.
مبلغ المئة مليار دولار ورد في أحد اللقاءات الملكية كسقف مالي سيرفضه الأردن لأن ملف القدس قد يكون الأعقد من بين كل الملفات.
لكن مقربين من مركز القرار والدولة وحتى أعضاء في مجلس الملك يكثرون هذه الأيام من الإشارة لما يتوجب على الدولة الأردنية ان تفعله إذا عرضت صفقة القرن المشار إليها مع مبالغ مالية عملاقة واستثمارات وشطب ديون خارجية من الوزن الذي لا يمكن رفضه أو الذي يمكن أن يثير المجتمع الأردني في حالة رفضه.
لا تبدو القضية مسألة مال في الحساب السياسي الأردني العميق، لكن مهندس اتفاقية وادي عربة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبد السلام المجالي، كان جريئا ومتقدما وهو يسأل عبر “القدس العربي” عن ما الذي نعرفه بصورة محددة عن صفقة القرن؟ متحدثا عن جواز أو عدم جواز رفضها أو قبولها قبل معرفة التفاصيل.
يسأل المجالي: من قال إن صفقة القرن كلها شر ومن قال انها كلها خير؟ يقترح السياسي المخضرم الانتظار والتريث.
لكن القصر الملكي الأردني لجأ إلى التصعيد ورفع السقف في عدة مناسبات مستندا إلى تلك اللاءآت المتعلقة بالتوطين والوطن البديل وضم القدس لإسرائيل.
مثل هذا الموقف يوحد المجتمع الأردني ويؤجل حتى الاعتراض والحراك ويحتوي حتى الخلاف مع التيار الإسلامي.
لكن في السياسة لا توجد مواقف قطعية ونهائية وثمة من يقول في أروقة النخب الأردنية إن صفقة القرن المزعومة أقرب إلى قدر لا بد منه. وهي آتية في الطريق لا محالة والأفضل رفع مستوى التصعيد والرفض لتحسين شروط التفاوض وحزمة المصالح والعمل على الاحتياط بدون حصول تأثيرات عميقة ضد مصالح المملكة الاستراتيجية.
وخلف القنوات ما اقترحه مسؤولون سعوديون بارزون على الأردنيين الانتظار والتريث والعمل تحت سقف ما تقبله القيادة الفلسطينية في كل الأحوال.
النخب تبدو محتارة هنا. ففي مقاربة المخضرم رئيس الحكومة الأسبق طاهر المصري صفقة القرن نفذت على أرض الواقع وهي مؤامرة على الأردن والأردنيين.
وفيما يتعلق بكيفية التعامل مع الأردن جدد المفكر السياسي الكبير عدنان أبو عودة دعوته المنهجية إلى التوقف عن تلك النظرة الضيقة التي لا تأخذ في الاعتبار ان اللاعبين الكبار في المجتمع الدولي ينظرون للأردن أصلا باعتباره جزءا من الإقليم وليس دولة مستقلة تماما ومعزولة عن الإقليم أو عن نظرة صناع القرار الكبار للإقليم.
يعبر سياسيون محنكون ولكن في الجلسات المغلقة مثل الرئيس السابق عبد الرؤوف الروابدة، عن الخشية من تعامل القوى الإقليمية والدولية مع بلادهم باعتبارها مجرد جغرافيا عندما يتعلق الأمر بتقاسم الحصص والنفوذ.
وتقترح شخصية من وزن الدكتور معروف البخيت للمواجهة مع التفاصيل السيئة، على مصالح الدولة العودة إلى وثيقة المبادرة العربية. يحصل ذلك بعد ما فقدت وثيقة المبادرة قيمتها ووزنها النوعي وبعد ما تجاهلتها تماما قمة تونس العربية الأخيرة وبدون أي أدلة أو قرائن على أن المبادرة العربية ستكون في المحصلة جزءا من ما يسمى بصفقة القرن.
الحيرة والارتباك ينهشان النخب الأردنية ليس فقط لأن البلاد تواجه أزمة اقتصادية حادة تجعل الضغط عليها مكلفا أكثر، ولكن لأن أزمة الأدوات في الإدارة الأردنية تظهر اختراقا سلبيا، حيث لا خبراء ولا مفاوضون عميقون ولا لاعبون كبار يمكنهم الاستثمار الآن في التوجيهات والرؤيا الملكية لتحسين شروط ومصالح الأردني ضمن تقاليد اللعبة الخطرة.
تلك مسألة محلية قديمة، لكن قواعد الاشتباك لا تزال في المقابل وتحديدا مع تأثيرات محتملة لصفقة القرن لا تزال غامضة، فمركز القرار لم يصدر عنه خلافا طبعا للموقف الشجاع والمتقدم ما يؤشر على الاستعداد فعلا لمرحلة المواجهة والاشتباك مع التفاصيل. وهي مسألة تضغط في المقابل على المزاج العام وتزيد في رقعة المخاوف خصوصا بعد حسم الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لصالح اليمين المتطرف وبعد تحول بنيامين نتنياهو الخصم العنيد للدور الأردني إلى زعيم إسرائيلي تاريخي تستقبله عواصم الخليج باهتمام وبدون العبور عبر محطة عمان كما كان يحصل في الماضي.