صدمة بعد التعديل الحكومي في الأردن: عبقرية رئيس وزراء «يتسلل» أم «تفخيخ» وحكومة تتجه نحو «الانتحار»؟
يحب المؤمنون بـ «عبقرية» رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز الإشارة إلى مسألة مهمة غابت عن ذهن التفكير الجمعي عندما تعلق الأمر بمحاولة تفكيك ألغاز التعديل الوزاري الأخير الذي حقق معدلات «صدمة قياسية» للرأي العام ولم تشرحه المؤسسة بأي وسيلة.
المقصود تسلله الذكي وإلغاء أسماء وزارات هي البلديات والاتصالات والاستثمار، والاستعاضة عنها بأسماء جديدة هي الاقتصاد الرقمي والريادة وتقييم الأداء المؤسسي والحكم المحلي واللامركزية.
واضح تماماً أن المؤسسة الأمنية وبحلتها الجديدة تركت رئيس الوزراء يقرر مستقلاً بشأن ورقة التعديل الوزاري ولم تزاحمه أو تتدخل في التفاصيل.
بعد «انفراجات» الخطاب الملكي… عودة للإحباط والحراك والتشاؤم
وأوضح أيضاً أن الشريك الفني الوحيد الذي ساهم في بناء صيغة التعديل الوزاري المعلن، الأربعاء، على صعيد المشاركة في المشاورات والتركيب والفك.. قد يكون رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، بهدف ضمان «فلترة» يمكن عبورها للأسماء وتوازنات لا تعيق التعديل. رغم ذلك، أخد الرزاز القرار بتفصيلاته على عاتقه الشخصي ويتحمل مسؤوليته الأدبية.
ورغم ذلك، نجح التعديل الوزاري وفوراً في تحقيق أعلى معدلات «صدمة سياسية» ليس للحراك الشعبي ولا للمعارضة.
ولكن أيضاً لأقرب دوائر التحالف مع الرزاز ومشروعه، والأهم للنخب المراقبة التي تعلم أكثر من الرزاز نفسه «متى ومن أين تؤكل الكتف؟».
وبوضوح شديد، يجمع المراقبون على أن «صمود» حكومة الرزاز بعد تعديلها الأخير مع مجلس النواب وفي الشارع أصبح أصعب بكثير ويحتاج إلى طاقة إضافية، خصوصاً بعدما نجح التعديل الوزاري تماماً في إعادة إنتاج «التشاؤم والسوداوية والإحباط» وبسرعة قياسية في مرحلة كانت تطل فيها برأسها بعض الانفراجات وبرافعة ملكية مباشرة.
التغييرات التي قررها مؤخراً الملك عبد الله الثاني في مؤسسات الظل بالقصر والمستوى الأمني، وحديثه العلني عن العودة للاحتراف والمهنية ومرتكزات الدستور.. عناصر تحالفت مع التزام مدير المخابرات الجديد أحمد حسني في «دعم قواعد الدولة الحديثة» في التأسيس لـ «فتح صفحة جديدة» وتحقيق معدلات استرخاء في الشارع العام ورفع الروح المعنوية.
لكن هوية التعديل الوزاري قلبت المعادلة وبسرعة.
ذلك بالحساب الرياضي السياسي المحلي لا «يحصل بالصدفة» .
يحتاج الجميع فعلاً إلى تفسير عميق لما أنتجه التعديل الوزاري من إحباط عام، خصوصاً وأن الشارع لا يعرف لماذا غادر الحكومة من غادر ولا لماذا عاد إليها أو بقي فيها من عادوا أو بقوا.
في السوق السياسية الآن وبسرعة تفسيران ينتهيان إلى النتيجة نفسها، وفكرتها بأن الرزاز حفر بيديه الكمين القادم لخروج حكومته من المعادلة وقريباً.
التفسير الأول يتحدث عن قوى في الظل «ورطت الحكومة» الحالية بهوية وملامح التعديل الأخير حتى تنحرف بوصلة هتاف الشارع من «إسقاط النهج» إلى «إسقاط الحكومة»، الأمر الذي ألمحت إليه معارضة مثل هند الفايز، وهي تحاول التحدث عن عودة خصمها البارز سلامة حماد وزيراً للداخلية.
في التفسير الثاني تحولات أكثر تعقيداً؛ فالرزاز نفسه يفوت فرصة تعديل وزاري مقنع ويستسلم للأمر الواقع ويستعد «للتضحية»، وهوية التعديل تعكس في النهاية «إمكاناته الذهنية والسياسية» الحقيقية بصفته رئيس الحكومة الذي يرى بأن «الدولة استعجلت قليلاً عليه» عندما اختارته أصلاً رئيساً للوزراء، وأنه كان يفضل الاستمرار وزيراً للتربية والتعليم.
في الحالين، لم يحقق التعديل الأخير أي نتيجة، والتوقعات تسارعت وفوراً بأن «تسقط الحكومة» قريباً في كمين الشارع وعلى أساس فكرة لا تخلو من «الخبث» قوامها أن التخلص من الرزاز أصبح ضرورة «وطنية ونظامية» بعدما «غازلته ودعمته» بقوة المؤسسات المانحة الدولية وبعملية بسيطة تنطلق من انحيازات الرزاز و«تفخيخ» حكومته بتعديل وزاري بائس لا معنى له، يدفع المشهد للتأزيم حكومياً، بحيث يصبح ترحيل الحكومة سيناريو لا يعارضه الخارج ويطالب به الداخل.
تلك دوماً قراءات خارج المألوف تحاول البحث عن خلفية مفاصل «غير مفهومة» إطلاقاً برزت في التعديل الأخير، أبرزها عودة الوزير سلامة حماد للداخلية، ومغادرة وزير الصحة الدكتور غازي الزبن، في الوقت الذي كان يخطط فيه لفتح ملف «حيتان وأسعار الدواء».
وبين المفاصل أيضاً إصرار الرزاز على «توزير» صديقه نضال البطاينة بدلاً من وزير نشط للعمل هو سمير مراد وبعد أسابيع فقط أصلاً من تعيين البطاينة رئيساً لجهاز الخدمة المدنية.
فوق ذلك، لم يقدم الرزاز أي شرح مقنع لأسباب تأسيس وزارتين جديدتين الأولى باسم الحكم المحلي، والثانية باسم الاقتصاد الرقمي والريادة، حيث سأل، مقدماً، الشاعر والناقد والمحلل عارف البطوش علناً: دولة الرئيس.. هل يوجد أصلاً اقتصاد حتى ننشئ له وزارة رقمية؟
ولم يشرح الرزاز أيضاً الخلفية التي دفعته لتكرار «تجربة جعفر حسان» بإحضار المستشار الاقتصادي البارز في الديوان الملكي محمد العسعس وتعيينه وزيراً للتخطيط، وعلى الأرجح رئيساً للطاقم الاقتصادي.
باختصار، تخشى أغلبية القراءات بأن يكون الرزاز قد أوكل مهمة «الأمن الداخلي» والتعاطي مع حقوق التعبير والحراك الشعبي للحرس الكلاسيكي في الدولة، وأوكل الملف الاقتصادي لخلية الظل في القصر الملكي، وتجاهل ملف الإصلاح السياسي وأظهر زهداً كبيراً بما تيسر من «الولاية العامة»، وتصرف على أساس العبارة التي ينحاز إليها وهي «كبير موظفين». فكرة الرزاز هنا أنه تسلل مجدداً وتمكن من إلغاء «أسماء وزارات» واخترع أسماء جديدة. ذلك ثمن «بخس» سياسياً مقابل كل التنازلات، وتلك- في رأي حريصين على التجربة- أقرب وصفة حكومية للانتحار الذاتي.