«كبار» الأردن وإسطوانة… «الأمن والضريبة»
حتى خبير مالي استثنائي من وزن الدكتور أمية طوقان يستطيع استلهام قدراته التعبيرية على المجاز اللغوي ما دام قادرا على تقديم 25٪ نسبة ضريبة إذا طالبته الحكومة بـ20٪.
هذا الكرم الضريبي المباغت المنقول صحافيا وتلفزيونيا لم يلمسه المواطن الأردني إطلاقا من الدكتور الفاضل عندما كان وزيرا للمالية أو مسؤولا عن الإدارة المصرفية في المملكة طوال سنوات حيث لم نسمع أن عضو مجلس الأعيان الدكتور طوقان وهو أحد القامات الوطنية بكل حال «تبرع» يوما براتبه للحكومة أو الخزينة.
يبلغ طوقان الأردنيين بفكرته عن دفع أكثر من المطلوب تحت بند الضريبة للحكومة من باب واحد طالما استخدم لجلد المواطنين البسطاء والفقراء وتخويفهم وهو «الأمن والاستقرار» اللذان لا توفرهما الحكومة ولا مجلس الأعيان بكل الأحوال بقدر ما يوفرهما ثنائي منسجم ومتصالح مع ذاته عندما يتعلق الأمر بالأمن الداخلي يمثل الناس وشرائحهم أولا والأجهزة الأمنية التي تتحمل العبء الأكبر من تداعيات ونتائج المغامرات التي يقررها مسؤولون وسياسيون تنفيذيون طوال الوقت كان الوزير طوقان أحد أبرزهم خلال الـ20 عاما الماضية.
عمليا لا يمكن إلا توجيه التحية للدكتور طوقان على «إحساسه الوطني الضريبي» المرتفع الذي حدثنا عنه كأردنيين.
لكن مثل هذه اللهجة ومع الاحترام لمن يتحدث بها لا يمكنها بناء المصداقية المفقودة ما بين السلطة والشعب ولا تأسيس علاقة إنتاجية حقيقية بين الدولة والفرد.
وطبعا لا يمكنها الانطلاق إلى الأمام حسب توجيهات القيادة.
أحد الوزراء في الماضي كان مصروف «كلبته» ينفق على ثلاث عوائل أردنية فقط.
وحجم وزراء الحكومة الأردنية يزيد بضعفين عن الوزارة التي تدير دولة عملاقة مثل الصين وبضعف عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من يحملون لقب «معالي» في الأردن بسبب المحاصصة البغيضة و«الغنج الاجتماعي» وتحالفات الإدارة مع نخب المناطق والعشائر يمكن توزيعه على قارتين.
بنفس الوقت يقضي بعض الوزراء جل وقتهم في الخارج والمياومات والسفرات التي يحظى بها المسؤول الأردني وهو يمثل مملكة النشامى في مؤتمرات لا معنى لها تصلح لتمثيل دولة نفطية بامتياز. مطالبة المواطن بالتقشف ضرورة ملحة.
لكن الملح أكثر وطنيا مطالبة الحكومة بالتصرف والانفاق خصوصا على الترفيات ودجل التمثيل وفقا لمقياس الاقتصاد والوضع المالي.
لقد ضجر المواطن الأردني من «اسطوانة» تهديده بين الحين والآخر باللعبة القديمة حيث التصعيد الضريبي في كفة والأمن والاستقرار في كفة أخرى
لقد ضجر المواطن الأردني من «اسطوانة» تهديده بين الحين والآخر باللعبة القديمة حيث التصعيد الضريبي في كفة والأمن والاستقرار في كفة أخرى.
هذه واحدة من أكثر النغمات بؤسا في موسيقى النخب الأردنية ونشكر الدكتور طوقان وغيره من سكان الطبقات العليا أن من الله علينا بالأمن والاستقرار لكن ليس بسببهم أو بسبب الضريبة فالأردني مستعد لدفع الدم وليس المال فقط مقابل صفاء الأمن.
ومن أجل تمكين الأجهزة الأمنية التي تحرس الجميع وتحمي الجميع في الدولة والنظام والناس والمجتمع بأقل الإمكانات المالية وفيما يتحكم مغامرون بيروقراطيون خدمتهم الصدفة بمصير البلاد والعباد عبر سلسلة من القرارات الخاطئة والمجازفات التي لا معنى لها والتي لو سئل الأمني العميق عن بعضها لما برزت المعاناة.
لم تعجبني يوما نغمة المقايضة التي يعرضها بعض كبار اللعبة من الذين تشكل مسيرتهم المهنية والسياسية والبيروقراطية اصلا حجة على أخطاء الدولة وخلل المسيرة وبعنوان «إدفع ولا تتكلم» أو بعنوان «الدفع قبل الرفع» حيث ابتزاز بغيض لا مبرر له لأن المعادلة أصلا قديمة وينبغي أن نصدق عشرات الأردنيين الأوفياء وهم يعيدون التذكير أن «المواطن أصلا هو الذي يمول الدولة» منذ عقود وبكل الأحوال.
لا معنى إطلاقا مع الاحترام لجميع رموز التخويف والإرتجاف وهم كثر عمليا في الإعلام والسياسة والبرلمان لمحاولة تمرير الضريبة الجديدة أو تبرير رفع الأسعار على أساس «تخويف» الأردني على أعز ما يملك وهو عنصر الأمن والاستقرار.
هذه حجة الضعفاء وعبارات تمثل كلام البسطاء ولم تعد «تخرط مشط» الشارع الأردني بل وتسيء للإدارة قبل الشارع.
المقايضة هنا في غير مكانها والأردن اليوم يحتاج لـ«كلمة حق» عند السلطان وأمام مرآة الواقع والذات ومن غير المعقول أن تستمر بعض النخب سواء اكانت في الإدارة أو مجلس الأعيان او النواب أو غيرهما بالتفكير والقول استنادا إلى «المعلبات القديمة» في الوقت الذي يستمع فيه الجميع للقيادة العليا وهي تشخصن الواقع بجرأة أكثر من جرأة الوزراء والأعيان وتدعو للمضي قدما وتقر بحصول «أخطاء في المسيرة».
تخويف المواطنين على ورقتهم الأمنية الغالية لم يعد منتجا في تبرير ضعف الأداء والإدارة فالوزير الأردني أو حتى عضو مجلسي النواب والأعيان لا يعرف لماذا أصبح في مكانه ولا لماذا ولا متى سيغادره.. ما دام الوضع كذلك سنبقى ندور في نفس منطقة الاشتباك الكلاسيكية مع أزمة الأدوات والحكم التي نتجت عنها مجمل تفصيلات المشهد الحالي البائس.
تعزيز ثقة المواطن بمؤسساته الأمنية هو الأفضل.
وإذا أراد الدكتور طوقان أو غيره التغني بنعمة الأمن والاستقرار عليه تقديم إجابة صريحة على أسئلة الناس المعلقة بدلا من العودة مجددا لعلبة الكلاسيكيات التي تصلح اليوم للمتحف وليس لإقناع أصغر أردني أو للتعاطي مع الواقع.