“ميني ديكتاتور” في السودان و”المخفي” في قصة “آية الرزاز” وتحرير قوات الرئاسة العراقية “زوجة الفاصولياء”
«القوة الرئاسية تمكنت من نقل الزوجة بدون خسائر»، قد تكون العبارة المتلفزة الأكثر طرافة، التي سمعتها من سنوات في ظل ضجيج الدم والثورات وصفقة القرن.
مراسل قناة «الشرقية نيوز» العراقية يحمل كاميرته وفريقه لتغطية حدث نادر، حيث اختلف زوج مع زوجته لأنها طبخت «فاصولياء»، واشتد النقاش بين الزوجين فاتصلت السيدة بشقيقها وهما قياديان في الجيش العراقي .
بسرعة تحركت قوة مؤللة من 20 جنديا وانتشلت الزوجة ونقلتها بالمصفحات إلى بيت أهلها وترك الزوج وحيدا يندب حظه مع طبق الفاصولياء.
مراسل قصة الفاصولياء الحربي كان متحمسا جدا أمام الكاميرا، وهو يسجل شهادات الجيران والمارة في أحد أحياء الدورة في بغداد، فيما كادت مقدمة نشرة الأخبار يغمى عليها من الضحك وهي تعد المستمع للمشهد.
نعم. هو العراق الجديد بعدما أسسه بريمر على النحو المشار اليه، وهو نفسه العراق، عندما بشرنا به الصديق مروان المعشر، قبل 16 سنة قائلا إنه سيكون بعد سقوط نظام صدام الاستبدادي «سنغافورة» الشرق.
مجددا، أجد لزاما علينا مطالبة المعشر، وهو سياسي مقدر ومحترم، سحب تصريحاته عن العراق الجديد، كما تراجع عن إيمانه بإسرائيل وعملية السلام.
نعم، معركة الفاصولياء، هي المنتج الحضاري الوحيد للجيش الأمريكي في «العراق الديمقراطي»!
الفصل في قصة «آية الرزاز»
لست متحمسا إطلاقا لتجربة الدكتور عمر الرزاز في عامها الثاني، ونشك فعلا في قدراته على التغيير ونلاحظ تحوله التدريجي من مثقف ومفكر إلى بيروقراطي بطيء وزاحف لا أمل في حكومته، سيتحول قريبا إلى حجة ضدنا في مسألتي الإصلاح والتغيير.
لم نعد نفهم بصراحة الباحث الاستراتيجي وهو يقود حكومة في مرحلة حساسة ونقر أن الرجل يسجل أعلى معدلات النزاهة بين أقرانه، ولا يمكن تحميله مسؤولية أي فساد سبق حكومته.
لكن مبالغة جميع الأطراف في حادثة ابنته الصبية آية الرزاز واضحة، سواء دفاعا عن فتاة أخطأت في التعبير أو إفراطا في تحميل تعليقها القديم ما لا يُحتمل، وممارسة اسقاط سياسي في غير مكانه.
فقط مرصد يتبع التلفزيون الأردني تابع المسألة مهنيا واهتمت بها «الجزيرة»، وانقسم الناس مجددا أفقيا وعموديا ما بين مساند لرأي فتاة «لم تخطئ» ومعارض لتصريح «يسيء للهوية الوطنية الأردنية».
نزعم أن آية الرزاز لم تكن معنية بنا جميعا، عندما أجابت على سؤال لحائط الكتروني بطريقة فيها بعض الجهل، فتحدثت عن عائلتها السورية الفلسطينية، التي تمضي وقتا الآن في الأردن.
الأهم والأخطر بالنسبة لي هو تحديد الهدف من إلقاء حجر في بئر استقرار المجتمع فجأة، عبر قرار غامض لجهة غامضة قررت «نكاية في الرزاز» تقليب صفحات أرشيفه العائلي.
السؤال الأهم: من هي الجهة التي قررت فجأة «لطم» الرزاز لأغراض المناكفة أو الثأر على الأرجح بالعودة لتصريح فتاة صغيرة قبل عامين؟
هنا سؤال أهم من الرزاز نفسه ومما قالته ابنته ويخص مجددا ثقافة التسريب والتشريب التأزيمي وسط النخبة الأردنية.
لا الحكومة ولا ما قالته الصبية يستأهلان العودة مجددا لجدلية الفرق بين الوطنية والمواطنة، ولا لمشروخة «رغيف الشعير المأكول»، ففي الزمان والمكان الآن ما هو أهم وأخطر بكثير.
السودان الأسمر والبشير
حتى وقت قريب جدا كانت الفضائيات العربية تشارك فضائية السودان، وهي تنقل الخطابات الرنانة للرئيس عمر البشير، وسط جماهير زاحفة تصفق للرجل، وهو يتحدث عن مؤامرة على بلاده.
فجأة تتحول هذه الشاشات إلى «فوكس نيوز»، لكن على الطريقة السودانية، حيث يتحول السيد الرئيس إلى ديكتاتور وغاصب للسلطة، وتظهر فجأة ملايين الدولارات في قبو منزله مع زجاجات ويسكي بالجملة مصفوفة في فناء المنزل.
شخصيا لا أصدق كل تلك الروايات العابثة.
ولا يمكنني تصديق رواية «عسكرية إنقلابية» لمجموعة أطاحت للتو بزعيمها وحولته إلى شيطان بأثر رجعي.
لو امتلكت نخبة الانقلاب القدرة نفسها في الادارة كتلك التي ظهرت عند «تصفيف منظم لزجاجات الويسكي»، التي يفترض أن البشير شربها أو كان يشربها، لما كان السودان العظيم محتاجا أصلا لانقلاب.
إنها الصورة يا سادة عندما تعبث بالعقل، وإن كنت مؤمنا أن الرئيس كان فعلا ديكتاتورا صغيرا سجنه في النهاية «ميني ديكتاتورات» جدد.
رحيل عربيات
نعود للحديث في الشأن الأردني الداخلي، حيث ثلاثة ملايين أردني على الأقل نشروا أو شاركوا في التعزية بوفاة الراحل لكبير الدكتور عبد اللطيف العربيات، وحيث «الصليب» شارك الهلال باسم أهلنا المسيحيين في تشييع رجل من طراز «يفقده الجميع».
عاد الجميع للأرشيف وظهرت تلك المقاطع التي يجيب فيها الراحل عبر تلفزيون الكويت على السؤال الأخير: ما هي مهمتك الأخيرة؟
يقول عربيات: ننشد الآن حسن الختام.
يبدو أن راحلنا الكبير غادر وهو في أحسن ختام فعلا، حيث وافته المنية في المسجد وأثناء صلاة الجمعة.
قابلت الراحل قبل فترة، وكان يطلب «الهداية» لطرفين بصورة خاصة، الأخوة في جماعة الإخوان المسلمين والأخوة في النظام والدولة.
الشعب الأردني يحترم الاعتدال والمصداقية، هنا حصريا ما يقوله العزاء الشعبي الضخم في فقيد على مستوى الأمة، وليس الوطن فقط.