«نيبال» الأردنية… طفلة أسقطت المجتمع
عاش المجتمع الأردني خلال الأيام القليلة الماضية حالة من النقاش والجدل غير مسبوقة نتجت عن الجريمة البشعة التي أقلقت كل المجتمع حينما دفعت طفلة صغيرة اسمها «نيبال» حياتها ثمنا لضربة حادة على الرأس من جار مجرم لأهلها.
قساوة هذه الجريمة فتحت عشرات الجروح في صلب وجدان الأردنيين القلقين بدورهم من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف في بلادهم، وكان لافتا أن الأجهزة الأمنية تمكنت من تحديد مكان جثة الطفلة ثم الكشف عن هوية القاتل وخلال أيام.
لكن حجم الإدانة الشعبية في هذه القضية تحديدا كان عاصفا للغاية ولم يسبقه أي إدانة جماعية من هذا النوع حتى علت ولأول مرة الأصوات التي تقترح ضرورة إعدام القاتل بدلا من سجنه فقط بذريعة أن عمره 17 عاما وأنه دون السن القانونية وسيتحول إلى محكمة الأحداث.
بكل حال صعب جدا خصوصا في الحالة الأردنية مناقشة المواطن المرعوب والقلق والخائف والذي أثارت فيه جريمة طفلتنا «نيبال» كل الهواجس وقرعت كل الأجراس خوفا من فكرة «الإنفلات» وسيناريو ما بعد الضيق الاقتصادي والاستهداف السياسي.
الجريمة أبشع بكثير من أن يتجاهلها الجميع… شخصيا وجه لي أطفالي جميعهم أسئلة محرجة بسببها.
وشخصيا «خفت» فنحن لم نعد نثق بأنفسنا لا كمجتمع ولا كسلطة ومؤسسات وهذا بحد ذاته مخيف.
وفقط للتغطية على القلق الجماعي نصبت فعلا محكمة شعبية وسقطت قيم مثل التحقيق والعدالة والقانون والانتظار.. أنا شخصيا لا ألومها لكنها نمطية رافقت العديد من الجرائم في الماضي و«تواطأنا معها» وتفهمناها رغم ضررها البالغ.
على المجتمع التحرك لحماية نفسه من المجرمين والمنحرفين الجنائيين ومتعاطي المخدرات عبر التعاون مع السلطات ووقف التضامن مع المجرمين ونبذهم ومحاصرتهم وكشفهم وإبلاغ السلطات عنهم
القاتل الوحش هنا أيضا «ضحية» لتساهل المجتمع وفصامه وإنقلابه على كل القيم عندما يقترب الانحراف من «العائلة أو العشيرة أو المصالح».
قاتل طفلتنا «نيبال» ليس مستوردا من الصين. هذه جريمة أردنية بامتياز وهذا أسوأ ما فيها وأي محاولة لقراءة هذه الجريمة على أساس الاستيراد والتصدير ستخفق في التصدي لأمثالها مستقبلا بالتأكيد.
ثمة درس علمتنا إياه قبيلة بني حسن هنا بنبلها المتوقع وهو درس في غاية الأهمية حيث «لا حصانة» في النظام الاجتماعي لعائلة «مجرم منحط» من هذا النوع وحيث رفضت القبيلة استجارة عائلة المجرم بها في سابقة لها علاقة بالتقاليد العشائرية تؤكد حجم ملامسة الأردنيين لأخطر ما في جريمة الطفلة ذات السنوات الأربع نيبال.
هنا «كلفة» اجتماعية على الأقل على أي عائلة يمكنها أن تتواطأ وعليها أن تتحمل المسؤولية خصوصا في ارتكاب جرائم لا يمكن تبريرها أو حتى فهمها فأي مجرم هو نتاج تساهل وانحراف نظام عائلي أغفل في الرقابة أو حرض على الشطط والانحراف وامتنع عن التذكير والاستنكار وتواطؤ مع انحرافات أصغر.
بما أن «المجتمع كله قلق» الخيار الأفضل أن نبدأ منه وعبره في مواجهة حتمية بدلا من محاولة التعدي على التحقيق والقضاء وتحميل المؤسسات المسؤولية فقط.
أي مواطن فينا هو هدف اليوم لجريمة كما وقع مع نيبال وأقصد التعميم تماما لأن المنحرفين من أولادنا يتكاثرون كالفطر ويغذيهم التفريط بالقانون والتساهل البنيوي الاجتماعي.
ولأن نواب الأمة وممثلي الشعب يجدون يوميا من يتحلق على عتباتهم لإجبارهم على التوسط من أجل التساهل مع انحرافات أمنية يعاني منها المجتمع او اعتدت على حقوقه.
على المجتمع التحرك لحماية نفسه من المجرمين والمنحرفين الجنائيين ومتعاطي المخدرات عبر التعاون مع السلطات ووقف التضامن مع المجرمين ونبذهم ومحاصرتهم وكشفهم وإبلاغ السلطات عنهم.وينبغي أن لا يتفهم أي منا الانحراف الصغير لأنه سيكبر لاحقا.
نستطيع أن نفعلها كمواطنين ونتعاون مع القانون وذراع العدالة.
ينبغي أن نعمم ثقافة من «أمن العقوبة أساء الأدب» وثقافة أن لا حصانة إجتماعية من أي صنف لمجرم أو متعد على القانون.
تلك مسألة تخص الناس ولا تخص الدولة والسلطة ولا اعتقد أن القانون «قاصر» عن معالجة من يخفقون وينحرفون ويفوتون الفرصة الأولى لإصلاحهم وردعهم.
ثمة حاجة طبعا بالمقابل لتجنب التهويل الدرامي في الحديث عن الجرائم واختلاق الشائعات ورسم سيناريوهات لا علاقة بالواقع أو تعيق التحقيق والمحققين.
ومن الواضح أن التشريعات التي تعطي الأجهزة التنفيذية صلاحيات الملاحقة والتحقيق بحاجة ملحة لمراجعة وطنية بالتساوي مع تعزيز الامكانات المالية للأجهزة المختصة بالجنائيات ومكافحة المخدرات.
ختاما أرجو أن لا يبلغني أحد بأن العائلة – اي عائلة – لا تستطيع تقدير منسوب الانحراف في نظام حياة أي من أولادها لأن نخبة من أبرز رموز الاجرام والزعران في شوارعنا وحاراتنا تستثمر فيها بعض الاجتهادات الأمنية بين الحين والآخر.
وتتحول إلى ماكينة جمع أصوات في الانتخابات…هذا ينبغي ان يتوقف.
فقط بهذه الطريقة ننصف نيبال رحمها الله. ونرد على الوحشية التي نالت من الملاك الصغير وأدت لإسقاط هيبة المجتمع الأردني برمته حيث أخفق الجميع في حماية طفلة مسكينة في الرابعة من عمرها.