هل ذهب الأردن إلى وارسو بـ «مذكرة جلب»؟… وارتياب في ترتيبات ثلاثية «سرية» لواشنطن والرياض وتل أبيب
أثناء توجهه للمشاركة في مؤتمر وارسو المثير للجدل، حرص وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على إرسال فكرته التي تشرح سبب المشاركة لمكتب «القدس العربي» وعلى أساس السعي وسط هذا التجمع الدولي لتأكيد موقف الأردن الثابت من عملية السلام. رسالة الصفدي المختصرة تتحدث عن رغبة الأردن في إسماع اجتماع وارسو الصيغة الأردنية الثابتة التي تؤكد استحالة السلام الشامل من دون تلبية حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة وعاصمتها القدس وفقاً لحل الدولتين على خطوط الرابع من حزيران.
المعارضة تتحدث عن «مؤتمرات وأحلاف استعمارية»
من زاوية الصفدي، وبعد تفاعلات عدة معه، الخطر الأكبر هو استمرار الاحتلال وغياب آفاق زواله. تلك لغة جديدة في التعبيرات الأردنية عن القضية الفلسطينية والصراع، حيث تنضم مفردة الحرية إلى الدولة في الخطاب الأردني، وحيث التأكيد على أن الخطر الأكبر في المنطقة هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
لاحقاً، أبلغ الوزير الأردني المتفاعلين على صفحته التواصلية بأنه التقى على هامش وارسو مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، وبحث معه تطوير آليات التعاون المشترك والعلاقات الثنائية، معتبراً أن التواصل مع بولتون كان إيجابياً. ولم يحدد الوزير الصفدي ملامح تلك الإيجابية، لكن المقصود لفت نظر الشارع الأردني المرتاب بأجندة مؤتمر وارسو إلى أن الدبلوماسية الأردنية تحدثت بنفس موقفها حتى مع عراب مؤتمر وارسو.
قبل ذلك، عبر لقاء ملكي مغلق عن الارتياح لغياب السلطة الفلسطينية ومقاطعتها وارسو. وعبر المناخ الرسمي بالمقابل عن الانزعاج من مسألتين؛ الأولى تتمثل في اعتبار التصدي للنفوذ الإيراني أولوية على مستوى المنطقة، والثانية تناغم تلك الاتصالات بين واشنطن وتل أبيب والرياض بدون إطار تنسيقي جماعي.
في كل حال، تزداد قناعة النخب الأردنية بأن ما يمكن أن ينتج عن مؤتمر وارسو من تقارب سعودي وإسرائيلي لن يشكل خطراً استراتيجياً على المصالح الأردنية الفلسطينية، وعلى أساس أن أي خطة سلام من أي نوع في النهاية ينبغي أن تتعامل مع وقائع ديموغرافية فلسطينية على الأرض، والأهم ينبغي أن تأخذ بالاعتبار صعوبة أو استحالة التوصل إلى أي ترتيب قابل للصمود والحياة بدون الأردن والفلسطينيين.
عرض ذلك الأمر على صيغة سؤال في جلسة نقاش ملكية مع مجموعة محللين سياسيين. لكن النشاط الذي تظهره الدبلوماسية الأردنية لتبرير المشاركة في وارسو يكشف ضمنياً عن ملامح أجندة باطنية قد لا تلتزم مع المعايير والثوابت الأردنية، لأن التزامن واضح وملموس بين التسريع في برنامج وارسو وتمهيدات جاريد كوشنر لإعلان ما يسمى بصفقة القرن لاحقاً.
يميل سياسي رفيع المستوى من وزن طاهر المصري، مرة أخرى وعلى هامش نقاش سريع وخاطف مع «القدس العربي»، إلى تعزيز نظرة الارتياب في وارسو باعتباره لقاء يمهد للصفقة المزعومة ويكرس القناعة بأن المطلوب هو إنتاج شكلي لتوافق دولي يدعم مشروعاً إسرائيلياً سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية وعلى حساب الشعبين الأردني والفلسطيني في كل الأحوال.
تبريرات الوزير الصفدي لم تقدم مساهمة فعالة أو ملموسة في تقبل الرأي العام لفكرة ما يجري في وارسو ونهايات التوافقات. فقد ورد نص كامل حول وارسو في بيان شديد اللهجة أصدرته، صباح الخميس، لجنة المتابعة الوطنية بسقف مرتفع لصالح الحراك والمعارضة.
البيان تحدث عن المبادرة وفوراً لتوقف المشاركة في المؤتمرات الاستعمارية والمحاور والأحلاف المشبوهة، ومن ضمنها وارسو الذي يهدف إلى إقامة تحالف ذليل معلن بين الدول العربية التابعة ومن بينها الأردن وبين العدو الصهيوني. وعملياً، آخر ما يحتاجه خطاب الشرح للوزير الصفدي هو مثل تلك اللغة الشعبية في وصف وارسو.
وآخر ما تحتاج آلية التأكيد على الثوابت الأردنية وعلى طاولة وارسو هو تحول مؤتمر وارسو إلى عبارات ومواقف واتجاهات تستمر في الورود في بيانات المعارضة والحراك الشعبي الداخلي.
مثل هذا المنطق قد يزيد في عدد الحراكيين ويضفي مضموناً سياسياً على خطابهم وتحركاتهم في الشارع بعدما انتقدت مظاهر الحراك الشعبي مرات عدة لأنها تركز أكثر مما ينبغي على الاحتياجات المعيشية الداخلية وتتجاهل المضمون والمنطوق السياسي الأشمل والأوعى.
وإلى أن تنمو رقعة الاعتراض شهرياً على مثل هذه اللقاءات والمؤتمرات، يمكن الرهان على تلك المقولة التي همس بها مسؤول أردني بارز لـ»القدس العربي» عندما أشار مجدداً إلى أن الأردن لا تعجبه أجندة مؤتمر وارسو، لكن الصيغة التي أجبرته على المشاركة فيه أقرب إلى مذكرة جلب.