اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن ـ «كورونا»: تسريبات حول الإفراج عن «الحراكيين» مع إقصاء «مفوض حقوق الإنسان»

 تعود التلميحات مجدداً للمربع السياسي الأمني. فالسلطات الأردنية تفكر وتسرب أنها تفكر بالإفراج عن «جميع أو غالبية» الموقوفين من الحراكيين والنشطاء لأسباب سياسية أو تتعلق بالرأي والتحرك بالشارع… لماذا وما الذي حصل فجأة؟
لا يتعب المراقبون أنفسهم في تحصيل إجابة عن السؤال الأخير، ليس فقط لأن الظروف استثنائية في البلاد والمنطقة والعالم جراء تداعيات مرض وفيروس كورونا، ولكن لأن الظروف في السجون ومراكز التوقيف أيضاً وضعها معقد وصعب بسبب الازدحام الشديد ووجود أكثر من 80٪ فوق طاقتها الاستيعابية، الأمر الذي دفع السلطات قبل موجة الفيروس أصلاً للتفكير «سياسياً وقانونياً» بتوفير معالجة بيروقراطية أمنية قانونية لتخفيف الازدحام.
من هنا أصلاً ولدت فكرة الانتقاد المرجعي لحالات التوقيف والسجن الخاصة بمبالغ الدين البسيطة للأفراد وللشركات ولقضايا الشيك المالي دون رصيد، أو لحالات التقاضي المالية الصغيرة التي يوجب فيها القانون عقوبة السجن. حصل ذلك طبعاً بالتوازي مع التوثق من أن كل سجين في الأردن يكلف الدولة ما يقارب 1000 دولار على الأقل شهرياً، وهي مبالغ يمكن بطبيعة الحال تخفيضها، وحجمها قد يكون أكثر من حجم تلك التي يتقاضى الناس بسببها، والتخفيض ممكن بتدخل الجهات القضائية في «تسويات مالية» على الأقل تضمن الحقوق للتخفيف من عقوبات السجن.
والسبب أن السجين المدين، برأي القطب البرلماني خليل عطية، لا يستطيع سداد ديونه وهو في السجن، والأفضل أن يغادره حتى يتمكن من تدبير شؤونه. وعلى الرغم من ذلك، يتحدث مدير الأمن العام الجنرال حسين حواتمة، عندما استقبل «القدس العربي»، عن رؤية شمولية لأداء الأجهزة الأمنية حداثية وعصرية الطابع وتخفف من النفقات المالية مع تقديم خدمات أفضل للمواطنين ودون إسقاط السجون ومراكز التوقيف من الحسابات. تلك، حسب حواتمة، تمثل المضمون الرئيسي للتوجيهات الملكية ولمشروع دمج الأجهزة الأمنية المتطور أصلاً.
لكن بعيداً عن الدمج وبخصوص ملفات التوقيف والسجن على أساس «خلافات مالية» أو حقوق للأفراد والمؤسسات وتداعيات الازدحام في السجون، بحث الأمر مع رئيس السلطة القضائية فعلاً ومع أركان عملية التشريع. قبل انشغال الجميع بموجة فيروس كورونا، لم تصل الأطراف المعنية لمعادلة محددة يمكن الرهان عليها ووضعها كأساس للتحرك، وكانت لجان تبحث التفاصيل بإشراف مسؤولين في القصر الملكي. لكن على جبهة موازية، العنصر المستجد الجديد هو السؤال الذي طرح على مستوى الخبراء الأمنيين في العمق حول وجود وسائل للسيطرة على احتمالات فيروس كورونا لو ظهرت داخل السجون ومراكز التوقيف التي تضم أصلاً مقيمين أكثر بكثير من طاقتها الطبيعية. والاستفسار كان فنياً عن كيفية تفعيل الرقابة الصحية داخل السجون في كل حال. ويبدو هنا أن كل مسؤول أردني بدأ يطرح الأسئلة الفنية التي تخصه في تعبير عن حالة بيروقراطية صحية يقظة ومفيدة في أضيق الأحوال. وعليه، يصبح القول بأن الإفراج عن موقوفي الحراك ومعتقلي الرأي، بما في ذلك الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء، خطوة في سياق العودة للداخل أكثر في المرحلة الصعبة التالية، حيث الأوضاع في المنطقة والإقليم غير مستقرة، وصفقة القرن قد تعبث بغالبية الأوراق، وفيروس كورونا يتوقع أن يشغل العالم لفترة أطول قد تمتد للصيف. وهنا تقرر الإفراج عن الموقوفين إدارياً في هذا السياق بعد تقارير دولية متعددة انتقدت وبشدة إجراءات الاعتقال والتوقيف التعسفي لمن يعبرون عن رأيهم في الأردن، الأمر الذي لا تريد الحكومة الأردنية أن تؤشر عليه أو تتحدث عنه علناً على الأقل. وتقرر أيضاً بالتزامن مع الفوضى التي نتجت عن «إقصاء» مفاجئ للمفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتور موسى بريزات الذي أقيل فجأة من منصبه وقبل عام فقط من اكتمال فترته وبموجب قرار لمجلس يدير المركز وضمن سياقات تحالف بين السلطات الحكومية والإسلامي الدكتور ارحيل الغرايبة. ويبدو أن الحكومة لم تتوقع الضجة التي نتجت عن «إقالة» شخصية تتولى ملف حقوق الإنسان باسم الدولة الأردنية، وعلى نحو مباغت ودون تبرير حقيقي.
ولأسباب تتعلق أصلاً بتقارير يصدرها الأخير عن «اعتقالات الرأي» التعسفية، حتى أصبح الدكتور بريزات نفسه «ضحية» لقضية حرية تعبير ورأي، وبصورة دراماتيكية من المرجح أن الأنباء عن الإفراج عن معتقلين الهدف منها الحد من تأثيرها.
ولذلك، لا يوجد بعد أكثر من احتمالات قوية لحقن الشارع بجرعة من قرارات الانفراج لمواجهة المرحلة التالية الصعبة على صعيد الوضع العام في المنطقة والإقليم، والأهم لاحتواء أي تجاذبات في عمق المجتمع جراء الوضع الاقتصادي أو متطلبات فيروس كورونا.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى