الأردن: «كلفة الانخراط» ولا إنجازات مهمة مع مصر والعراق اقتصادياً
عمان – «القدس العربي»: مجدداً تعود الانطباعات والحسابات للتراكم سياسياً في محاولة لا تحتمل النجاح دائماً، تقرأ بوصلة المصالح في الخارطة الإقليمية الأردنية خصوصاً مع إصرار الأردن على التمسك بمشروع التكامل الثلاثي بين العراق والأردن ومصر، مع أن السنوات مضت وتم توقيع عشرات الاتفاقيات تحت هامش هذا السياق دون أن تكتمل النتائج في اتجاه أي مشروع اقتصادي حقيقي تكاملي بين الجانبين أو الدول الثلاث على أرض الواقع.
إقليمياً، لا تبدو المصالح الأردنية الاقتصادية نشطة جداً أو مفتوحة على احتمالات النشاط خصوصاً في قطاع الإنشاءات والمقاولات الذي تم تجاهله مرات عدة، كما أوضح نقيب المقاولين الأسبق أحمد اليعقوب وهو يشرح في نقاش مع “القدس العربي” وجهة نظره بخصوص فرص الاستثمار الإنشائي التي تم تفويتها في العراق الشقيق.
بمعنى آخر، الانطباع يتكرس أكثر في الأردن أن المصالح الاقتصادية مع العراق حصرياً في الإطار الثنائي لا يبدو أنها فعالة، وقد يتقلص هامشها أيضاً لاحقاً مع وجود رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، الذي زار عمان دون تقديم إجابات عن أسئلة أردنية مهمة عالقة، وأيضاً دون تقديم ضمانات باستئناف منح القطاعات الأردنية حصة معقولة من عطاءات الإنشاءات العراقية أو ضمانات تتعلق بفتح الأسواق العراقية أمام المصدرين الأردنيين.
عملياً وواقعياً، المسار الثنائي في المصالح الاقتصادية بين عمان وبغداد لا يبدو أنه في اتجاهات تؤدي إلى النمو الاقتصادي في الجانبين، وفي المسار الثلاثي التكاملي مع مصر لم ينجز شيء محدد رغم أن الحديث عن التكامل الثلاثي يتواصل ويستمر منذ أربع سنوات. وفي كل الأحوال، وضع الأردن وثيقة داخلية للتمكين الاقتصادي، لكن المصالح الاقتصادية مرتبطة أكثر بالأجندات الإقليمية، أما الانطباع السياسي المرتبط بالمصالح الاقتصادية فقد اختصره رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري وهو يتحدث بمعية “القدس العربي” أيضاً عن مشروع الانخراط الأردني في الترتيبات الأمريكية أمنية الطابع في المنطقة، والتي يتم محلياً الرهان على ملحقات اقتصادية لها تساعد في تشبيك العلاقة مع الأسواق العراقية وينتج عنها أيضاً مشاريع بنية تحتية إقليمية الطابع، قال الأردن علناً على مستوى قيادته وحكومته بأنه راغب بإلحاق المؤسسات الفلسطينية بها.
لكن المستثمر العربي بالتكامل أو بدون، لديه معادلة أبسط، طالما ذكرها السياسي الأردني العريق الدكتور ممدوح العبادي، وهي معادلة “تحقيق أرباح باختصار وببساطة”. ومؤخراً، أشار العاهل الأردني نفسه خلال توجيه لحكومته إلى مسألة المستثمر الراغب بتحقيق أرباح. بالخلاصة، وبعيداً عن ملف الاستثمار نفسه وبخصوص علاقات التكامل مع العراق حصراً، الاستنتاج الذي تتداوله النخب الأردنية هو ذلك الذي يشير إلى أن المحاولات المتكررة لتعزيز المكاسب الاقتصادية عبر التكامل ثنائياً مع العراق وثلاثياً مع العراق ومصر، لا تزال دون أي حيز إنتاجي يعتد به، ولا تؤدي إلى تأثيرات عميقة من الطراز الذي يساعد في إما تنمية الصادرات الأردنية إلى السوق العراقية، أو تخصيص حصة من عطاءات المقاولات والإنشاءات في تلك السوق لشركات ومؤسسات أردنية، فيما قطاع النقل البري الأردني وإذا ما استمرت أزمة أسعار الوقود محلياً، قد تتأثر بموجبه عملية شحن البضائع والمنتجات إلى العراق من شواطئ البحر الأحمر في العقبة.
وفي العموم، الإصرار على زاوية التكامل الثلاثي مع العراق ومصر، سياسياً بقي في السياق الإعلامي حتى الآن، خصوصاً مع قناعات بعض الخبراء بأن مصر تأمل هي الأخرى بفتح أسواق العراق، لكنها لا تجد لديها ما يمكن أن تقدمه فعلاً، لا للأردن ولا للعراق والأردن معاً في سياق التكامل، الأمر الذي أدخل الحسابات الأردنية في مشروع التكامل الثلاثي بعدة زوايا ومناطق ضيقة للغاية، يمكن أن تزداد ضيقاً ما دامت السوق العراقية قرارها لدى اللوبي الإيراني في العراق ونخبته، ومادام الأردن منخرطاً أكثر في الترتيبات الاستراتيجية بشكلها العسكري والأمني في المخططات والمشاريع الأمريكية، لكن دون إحداث فوارق ملحوظة أو مرصودة أو يمكن بناء رهانات كبيرة عليها في الواقع العملي.
كلفة ذلك الانخراط كانت وستبقى من العناصر المؤثرة في حسابات بوصلة المصالح الإقليمية حتى في جناحها الاقتصادي، لأن إيران مستحكمة في إدارة العراق، وما دامت كذلك ستقرأ مصالح الأردن التكاملية بالعراق في ضوء المصالح العليا للإيرانيين وتوقع الأردن ضمن السياسات والبوصلة الأمريكية في المنطقة، مما يقود إلى الخلاصة القديمة نفسها، حيث عمان تتحرك في ظل “محددات وقيود” في كل الأحوال، و”التحرر” ولو اقتصادياً من تلك القيود قد يقود لمجازفات مرتبطة بالعامل الجيوسياسي عموماً.