اراء و مقالاتمقالات وآراء

الإعلام في الأردن… بقاء الأمور على حالها لم يَعُد خياراً

بقاء الأمور كما هي في البلاد لم يعد خيارا ولا ترفا فالأزمة أفقية وأعقد بكثير من وهم الشكليات والمظهر العلني. قصة كلفة الإصلاح أكبر من عكسه واحدة من أكبر الكذبات التي تقال اليوم في الأروقة

فقط في الأردن وفي مقايسات الكثير من السياسيين والمسؤولين يريد الجميع طبقا من «العجة» دون محاولة كسر أي «بيضة».
خرجنا للتو من ملحمة إصلاحية مهنية صغيرة ومشوار يبدو أن اكتماله دخل دائرة الاحتمالات كما يحصل بالعادة.
القصر الملكي ينفتح على مجموعة نقاشات عصف ذهني لها علاقة بسؤال الإعلام تحديدا فتقوم الدنيا ولا تقعد من بعض المؤسسات هذه المرة ومن شرائح كبيرة تنتمي إلى عائلة قد لا يوجد نظير لها إلا في الحالة الأردنية واسمها عائلة «يا لعيب.. يا خريب».
على كل حال ثمة تفاصيل كثيرة في هذا السياق قد يكون مكانها في مقال آخر أو حتى عدة مقالات لأن الانتفاضة التي تحركت ضد فقط جزئية متعلقة بعصف ذهني بين مسؤولين رسميين وبعض المهنيين وأصحاب الخبرة من خارج العلبة كانت أهلية بامتياز ولا علاقة لها على الأقل علنا بأي من المؤسسات الرسمية.
بكل حال قلناها ونعيدها أي جهة تتحرك ضد أي جهد. ذهني يحاول التنويع في الخيارات مناضلة من أجل الاستمرار في العبث وما حصل ببساطة. عندما تعلق الأمر بالجدل الذي سألني عنه منذ أكثر من أسبوعين كل من قابلته في عمان بعنوان «لجنة تفكر في تطوير الإعلام» يثبت وبالبرهان القاطع بأن ازمة الإعلام الأردني سياسية ومهنية ووطنية بامتياز والأهم أفقية. مجرد شائعة أو حتى تسريبة غير صحيحة تحولت إلى قضية وطنية لها علاقة فورا بجاريد كوشنر وصفقة القرن وبتفكيك الدولة؟
بلا خجل ولا وجل يتقمص أحد مراهقي المعارضة بالخارج حالة العراب ويتحدث عن خطر داهم على المملكة لأن مسؤولا صغيرا في مؤسسة سيادية استمع لنخبة من أصحاب الرأي المهني. بلا تردد أيضا تصدر بيانات وتنظم اجتماعات ويدخل الجميع في دراما المبالغات بسبب حالة محدودة وصغيرة جدا من العصف الذهني وتشن حملات ضد لجنة لم تتشكل. هذا ليس جديدا في الأردن بكل حال.
لكن الجديد أن أمام صانع القرار والرأي العام اليوم تجربة تقول بوضوح كيف يمكن تشخيص الأزمة السياسية والإعلامية في البلاد.
ومن موقعي كمواطن محايد مراقب مسكين بلا حول ولا قوة أقولها مباشرة لأصحاب القرار: أنتم تدفعون الآن ثمن ما فعلتموه الصيف الماضي.

ليس سرا في السياق أني شخصيا وبصفتي المهنية كنت وسط لهيب النقاش. وليس سرا أني انتقدت التداخل بين الأمني والمهني بدون مسافات واضحة. وثالثا ليس سرا بالتأكيد أني قلت وفي المقرات السيادية وعدة مرات ما قلته سابقا في اي نقاش طلب مني التحدث فيه :.. عندما تفكر بإعداد طبق من العجة لا بد من تكسير عدة بيضات.
تلك مفارقة تتكرر بامتياز حيث يعتقد واهمون سواء في المستويات الرسمية أو في الكثير من المؤسسات أو حتى في شرائح اجتماعية بأن إعداد طبق عجة خطوة ضرورية وملحة ووطنية حفاظا على أمن الدولة والمجتمع أيضا ولكنها ينبغي أن تحصل مع بقاء البيض على المائدة كما هو وبدون تكسير ولو واحدة من تلك البيضات.
في علم الطهي كما نفترض طبعا تلك عجة. لا علاقة لها بالبيض أو بمعنى آخر مجرد طحين مخلوط بماء واسمه. طبق طحين وماء يملأ المعدة ويغذي غريزة الشبع ولا طعم أو لون او رائحة له وهو باختصار طبق ما لكنه ليس عجة لأن العبور من جانب طبقة عجة يتطلب وجود البيض أولا ثم تكسره قليلا.
لا نريد الإغراق في الطهي ومشتقاته لكن كل القصة في مملكتنا ووسط ظرف إقليمي حساس أن الجميع يقر بضرورة إعداد طبق عجة باعتباره الحد الأدنى لكن القوم سواء في القرار وأحيانا تحت الهرم من قوى الأمر الواقع والخوف من الأطباق لا يريدون تكسير ولو بيضة واحدة. باختصار هذه مهمة مستحيلة وتحتاج لتوم كروز على الأقل وسينما لا علاقة لها بالواقع.
ما نريد قوله إن حل معضلة وازمة الإعلام في الأردن حتى تحت عنوان الثوابت والمفاهيم الراسخة والكلاسيكية يحتاج لقرارات واتجاهات تنقلب على كل اتجاهات الماضي تماما كما يحصل الآن في المسألة الاقتصادية. تلك ليست مهمة الشعب أو أصحاب المهنة والخبرة بل مهمة الدولة.
الفكرة باختصار أن بقاء الأمور كما هي في البلاد لم يعد خيارا ولا ترفا فالأزمة أفقية وأعقد بكثير من وهم الشكليات والمظهر العلني.
قصة كلفة الإصلاح أكبر من عكسه واحدة من الردود المضلِّلة التي تقال اليوم في الأروقة.
إذا اردت اصلاحا حقيقيا لا بد من ثمن له.. تلك فيزياء ينبغي أن يدركها صانع القرار.
وباختصار ايضا لا يمكنك خلط بعض الماء بالطحين وإضافة رشة ملح ثم تقديم طبق لا يعني شيئا للناس على أساس أنه عجة لذيذة. المطلوب تكسير بيض.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى