اراء و مقالات

«شفا بدران» الأردنية: «سوابق» غير معهودة في إطلاق الرصاص فوق «جاهة وسيطة»… قبيلة «بني حسن» صبرت والجميع يسأل: «أين ذهبت الدولة؟»

عمان- «القدس العربي»: كل ما في جعبة التقاليد العشائرية من خبرات وأفكار ومقترحات وتصرفات ظهرت على السطح فجأة في بلدة شفا بدران غربي العاصمة عمان.
أين الدولة؟ هذا هو السؤال الذي طرحه وبقوة غالبية ساحقة من المواطنين الأردنيين وهم يشاهدون مسلسل الأحداث بعد جريمة قتل غدر فيها شاب في سيارته بعدما أطلق النار عليه أحد المطلوبين في قضايا المخدرات. القاتل من أبناء قبيلة العدوان، فيما المغدور من عشيرة الحجاج، ونفس البلدة عايشت خمسة أيام عصيبة تواجد فيها الدرك والأمن بقوة في المكان، وانشغل جميع المسؤولين بما في ذلك نواب وأعيان ووزراء القبائل المعنية، في الاشتباك والتعامل مع التفاصيل.
غابت مظاهر الدولة العصرية تماماً كما يعرفها الجميع، وغاب تطبيق القانون وقائياً، وحصلت أحداث دراماتيكية أقرب إلى ما كان يشاهده الأردنيون في المسلسلات القديمة.

إحراق بيوت

في كل حال، أحرقت بيوت بعد جريمة القتل الغادرة، وأجلي عدد من أهالي القاتل، وحصل إحراق للسيارات وفوضى أمنية، لكن بداية التعامل مع مصالحة بعد مشاجرة عشائرية عنيفة إلى حد ما كانت بين يدي قبيلة المليون، أكبر القبائل الأردنية، وهي قبيلة بني حسن التي سعت للمصالحة، وتقرر بدعم وإسناد من الحكام الإداريين ووزارة الداخلية أو حتى الإدارة العشائرية المعنية في الديوان الملكي بأن يتطوع قادة ومشايخ قبيلة بني حسن لإجراء المصالحة. هنا حصرياً قاد جاهة كبيرة تمثل الوساطة بين العشيرتين، عشيرة القاتل وعشيرة المغدور، الشيخ ضيف الله القلاب، شيخ مشايخ قبيلة بني حسن. والهدف من وجود هذه الشخصية الأساسية والمحورية في منطقة شرق الأردن هو إجراء مصالحة وفقاً للترتيبات العشائرية بعد أن غاب القانون عن التفاصيل اللاحقة وأصبحت ردود الفعل الغاضبة هي الأساس.
وكانت مهمة الشيخ ضيف الله القلاب حصرياً، وهو أحد أكبر أعمدة وأركان القبائل والعشائر في الأردن، هي إجراء المصالحة حسب الأصول، وتوجه الشيخ القلاب إلى منطقة شفا بدران واستقبله العشرات من أبناء عشيرة الحجاج أهل المغدور بهدف إجراء ترتيبات.
أخفقت الجلسة الأولى للمصالحة العشائرية وحصلت سابقة قال الشيخ والقاضي العشائري طراد الفايز، إنها غير مسبوقة في تاريخ العشائر الأردنية، حيث أطلق غاضبون من أبناء الحجاج الرصاص فوق خيمة الجاهة الكريمة، واضطر الشيخ القلاب وصحبه إلى الانسحاب في مشهد دراماتيكي، مما يعني فشل وإخفاق جلسة المصالحة الأولى، فيما كان الغاضبون من أهل المغدور الذين أطلقوا الرصاص يرفضون ما سمي بعطوة الاعتراف المشروطة بعودة الذين تم ترحيلهم، تنفيذاً لتعديل قانوني وافقت عليه قيادات العشائر.

رفض عبر الرصاص

لكن تلك العودة رفضها أهل المغدور وأعلنوا رفضهم عبر الرصاص، فحصلت حالة فوضى واضطرت قوات الدرك للتواجد بكثافة في المنطقة وصدرت بيانات من قبيلة بني حسن باعتبارها وسيطاً وليست طرفاً في المشكلة، وبهدف حقن الدماء، تندد بالتصرفات الجاهلة بإطلاق النار على جاهة بحضور شيخ مشايخ القبيلة وفوق رأسه لإظهار الغضب.
بعد مغادرة الشيخ القلاب، توعد أبناء قبيلة بني حسن بالرد على من جرحوا وفد كبيرهم.
لكن الشيخ القلاب آثر ابتلاع الإساءة حقناً للدماء، وعاد في اليوم الثاني مع وفد عشائري لإجراء المصالحة، وأخذ ما يسمى بعطوه الاعتراف، لكن الجلسة الثانية في المصالحة أخفقت أيضاً.
وإزاء التعنت، تدخلت سلطات الدولة وأحضرت كل الأطراف ووقعت صك الاعتراف في مقر الحاكم الإداري للمنطقة، فيما كان الوزير السابق والمرجع القانوني الدكتور نوفان العجارمة أول من يطرح السؤال حول غياب الدولة عن هذا المشهد الذي ينتمي إلى ما قبل تأسيس الدولة الأردنية بـ 100 عام تقريباً. تناقضت المعطيات، وبدا أن الرأي العام الأردني وكأنه يحضر مسلسلاً أو له علاقة بالدراما المعروفة. ولم يشاهد الأردنيون مثل هذا المشهد من قبل خصوصاً أن طابع العطوة الأولى كانت عطوة اعتراف بالجريمة وبرعاية أمنية، بمعنى الحرص على حقن الدماء.

أين الدولة؟

لكن انغماس نواب ووزراء وأعيان وحتى كبار جنرالات الدولة في المسألة لم يؤد إلى تهدئة الأعصاب وإعادة الهدوء لبلدة شفا بدران التي تعايش اليوم وقتاً عصيباً، خصوصاً مع ثبوت أن سيارات بعض الأبرياء الذين لا صلة لهم بعشيرتي القاتل والمقتول أحرقت أيضاً وبعض المحلات التجارية أيضاً خلال موجة الغضب.
الاستحقاق الأهم تمثل في شعور الجميع بأن الاعتماد فقط على الترتيبات العشائرية، على أهميتها وضرورتها، وعلى دور قبيلة مقدرة ومحترمة وكبيرة العدد مثل قبيلة بني حسن، لا يكفي؛ فقد نصح الشيخ القلاب بالعودة عدة مرات باعتباره كبير القوم وباعتبار الجاهة التي يترأسها يمكن أن تتعرض لمحاولات إساءة، لكن الصبر والحكمة ظهرا من خلال الشيخ ضيف الله القلاب، الذي أصر على الحصول على صك عطوة اعتراف حتى تكتمل بقية الإجراءات، فيما ألقي القبض على القاتل أصلاً منذ عدة أيام. والمسألة الأكثر إثارة للحساسية والحرج تكمن بعد مشهد شفا بدران في ذلك السؤال المتأخر جداً لأكثر من قرن، والذي يطرحه الأردنيون اليوم للأسف: كيف تلتحق الدولة بكل هذه الفوضى والترتيبات بعيداً عن سطوة وسيطرة القانون؟
السؤال نفسه بصيغة أخرى: أين ذهبت الدولة فجأة خلال خمسة أيام تخللتها أحداث دراماتيكية في منطقة شفا بدران؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى